فصل: الأربعون ميخائيل بن جورجس

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التنبيه والإشراف **


 الأربعون ميخائيل بن جورجس

وكان ابن عم نقفور وصهره ملك سنتين في أيام الأمين وقيل أكثر من ذلك فوثب به أليون المعروف بالبطريق وغلب على الأمر وأقام ميخائيل قبله مخفياً أمره وأشاع هلكه بعد أن ناله بأنواع المكاره‏.‏

 الحادي والأربعون أليون المعروف

بالبطريق ملك سبع سنين وثلاثة أشهر وذلك بقية أيام الأمين وصدراً من خلافة المأمون فاحتال صنائع ميخائيل فاستخلصوه فوثب بأليون وهو مغثر فقتله وعاد الملك إليه وقيل إنه في حال غلبة أليون على الأمر ترهب‏.‏

 الثاني والأربعون ميخائيل بن جورجس

الملك الثاني ملك تسع سنين في أيام المأمون وقيل أكثر من ذلك وقد أتينا على خبره وما كان من أمره وعوده إلى الملك ثانية في كتاب مروج الذهب ومعادن الجوهر الثالث والربعون توفيل بن ميخائيل ملك أربع عشرة سنة بقية أيام المأمون وأيام المعتصم وصدراً من أيام الواثق وهو الذي فتح مدينة زبطرة من الثغور الجزرية فخرج المعتصم نافراً غازياً حتى نزل على عمورية فافتتحها وذلك في سنة 223 وكان دخوله من الثغور الشأمية ودخل الأفشين خيذر بن كاوس الأشروسني فيمن كان معه من الأولياء وعمر بن عبيد الله بن مروان الأقطع السلمي صاحب ملطية من الثغور الجزرية فلقيهم الملك توفيل بن ميخائيل فكانت بينهم حروب عظيمة فانكشف الملك وحماه من كان معه من المحمرة والخزمية ممن كان استأمن إليه من ناحية آذربيجان والجبال لما واقعهم إسحاق بن إبراهيم بن مصعب الطاهري وكانوا ألوفاً ولحق الأفشين بالمعتصم فنزل معه على عمورية وفي ذلك يقول الحسين بن الضحاك الخليع الباهلي في قصيدة له طويلة يمدح أبا الحسن الأفشين‏.‏

أثبت المعصوم عزاً لأبي حسن أثبت من ركن إضم كل مجد دون ما أثله لبني كاوس أملاك العجم لم يدع بالبذ من ساكنة غير أمثال كأمثال إرم وقرى توفيل طعناً صادقاً فض جميعه جميعاً وهزم وقد ذكره أبو تمام في قصيدته التي مدح بها المعتصم وذكر فتح عمورية التي أولها‏:‏ السيف أصدق إنباء من الكتب في حده الحد بين الجد واللعب لما رأى الحرب رأي العين توفلس والحرب مشتقة المعنى من الحرب وقال الحسين بن الضحاك أيضاً‏:‏ في كلمة له طويلة يخاطب المعتصم‏.‏

لم تبق من أنقرة نقرة واجتحت عمورية الكبرى إن يشك توفيل بتاريخه فحق أن يعذر بالشكوى وقال‏:‏ تفنى بنوا العيص وأيامهم وذكر أيامك لا ينفى يا رب قد أملكت من بابك فاجعل لتوفيلهم العقبى وإنما ذكرنا هذه الشواهد لأن فريقاً ممن لا علم له بسير الملوك وأيامهم ذهبوا إلى أن المواقع للأفشين والذي فتحت عمورية الكبرى في أيامه هو نقفور الذي كان في أيام الرشيد وما ذكرنا أشهر وأوضح إذ كان من الكوائن التي يشترك الناس في علمها بسبب شهرتها واستفاضة أنبائها ولكن الحاجة دعت إلى الاستشهاد‏.‏

 الرابع والأربعون ميخائيل بن توفيل

ملك ثمانياص وعشرين سنة بقية أيام الواثق والمتوكل والمنتصر والمستعين وكانت أمه تدورة تدبر الملك معه ثم أراد قتلها لأمر كان منها فهربت ولحقت بالدير فترهبت‏.‏

ونازعه في الملك رجل من أهل عمورية من أبناء الملوك السالفة يعرب بابن بقراط فلقيه ميخائيل وقد أخرج من في سجونه من المسلمين للقتال معه وقواهم بالخيل والسلاح فظفر باب بقراط فشوه بخلقه ولم يقتله لأنه لم يلبس ثياب الفرفير والخف الأحمر وقتل ميخائيل بسيل الصقلبي جد قسطنطين بن لاون بن بسيل الملك على الروم في هذا الوقت المؤرخ به كتابنا وهو سنة 345 في خلافة المطيع وكان قتله إياه في سنة 253 في خلافة المعتز وقيل في سنة 252‏.‏

 الخامس والأربعون بسيل الصقلبي

ملك عشرين سنة أيام المعتز والمهتدي وصدراً من خلافة المعتمد وكانت أمه صقلبية فنسب إليها فقيل الصقلبي‏.‏

قال المسعودي‏:‏ وقد أتينا على خبره وبدء أمره وخروجه من بلده وهو بند تراقية إلى القسطنطينية ملتمساً للرزق طالباً للمعاش وما كان عليه من الشدة والشجاعة والهمة والمعرفة بأمور الخيل وكيف اتصاله بميخائيل بن توفيل إلى أن صار المدبر لخيله وانتقاله في المراتب إلى أن سمي براكنميس تفسير ذلك المدبر للملك وقيل أن توفيل استحضره لما نمي إليه خبره وخبر الامرأتين اللتين تزوج الملك بأحدهما وزوجه الأخرى إذ كانت شريعتهم تمنع من الجمع بينهما وكان الملك يختلف إليهما وما توجه لبسيل عليه من الحيلة حتى قتله وصفا له الملك وغير ذلك من أحواله في تاب فنون المعارف وما جرى في الدهور السوالف

 السادس والأربعون أليون بن بسيل

ملك ستاً وعشرين سنة بقية أيام المعتمد والمعتضد والمكتفي

 السابع والأربعون أخوه الإكصندرس بن بسيل

ملك سنة وقيل أكثر من ذلك وقيل إنه اغتيل لسوء سيرته وقبح سياسته‏.‏

 الثامن والأربعون قسطنطين بن لاون بن بسيل

ملك وله نحو من ست وسنين وقيل أكثر من ذلك في سنة 301 وغلب على أمره بطريق البحر وصاحب مغازيه رومانوس فقام بأمر الملك وشرط على نفسه شروطاً منها أنه لا يطلب الملك ولا يريده ولا يتسمى به ولا أحد من ولده‏.‏

وأقام على ذلك نحواً من سنتين‏.‏

ومن رسوم ملوك الروم ألا يجلس معهم في مجلسهم أحد ولا يلبس خفين أحمرين غيرهم فجعل لأرمانوس أن يجلس معه ويلبس خفاً أحمر والآخر أسود ثم نقض الشروط وسمى نفسه ملكاً ولبس التاج والثياب الفرفير التي لا يلبسها إلا الملوك وخفين أحمرين وحجر على قسطنطين‏.‏

ونشأ لأرمانوس أربعة أولاد فخصى الأوسط واسمه توفيلقطس وجعله خادماً للكنيسة فلما كبر وبلغ مبلغ الرجال جعله بطريركاً وهو ملك الدين والقيم به كما أن الملك صاحب السيف فهو صاحب كرسي القسطنطينية إلى هذا الوقت المؤرخ به كتابنا وصاحب الكرسي هو شريك الملك ليس يساوي الملك في الخلق أحداً لا هو ولا يكفر الملك إلا له وإذا جلس الملك جلس على كرسي من ذهب وجلس البطريرك على كرسي من حديد فما كان من نفقات الحرب وجباية الخراج وإعطاء الجند فهو إلى الملك وما كان من أموال الأحباس والوقوف لنفقات الكنائس والديرة والأساقفة والرهبان وما أشبه ذلك من أمر دينهم فهو إلى البطريرك وله في كل بند عامل مثل عامل الملك والبطريرك لا يأكل اللحم ولا يطأ النساء ولا يتقلد السيف ولا يركب الخيل وإذا أراد أن يركب ركب حماراً وحول رجليه على جانب مثل ركوب النساء‏.‏

وكان أولاد أرمانوس الباقون أخرصطفورس أصطفن وقسطنطين وكانوا جميعاً يخاطبون بالملك وزوج أرمانوس ابنته النا بقسطنطين فكانت تخاطب بالملكة أيضاً‏.‏

وولد لقسطنطين الملك منها ولد سماه أرمانوس فهو ولي عهده والمرشح للملك بعده في هذا الوقت وهلك أخرصطفورس وبقي أخواه قسطنطين وأصطفن فلم يزل الأمر على ذلك إلى نحو من سنة 330 للهجرة فواطأ ابنا أرمانوس قسطنطين بن لاون على إزالة أبيهم أرمانوس عن الملك ليصفو لهم الأمر فدخلوا عليه في بعض الأيام في عدة من الناس فقبضوا عليه وأنفذوه إلى دير كان بناه في الجزائر بالقرب من القسطنطينية وأقام ولداه مع قسطنطين نحواً من أربعين يوماً وعملا على الفتك به والاستيلاء على الملك ونذر بما دبراه فسبقهما إلى ذلك فأحضرهما طعامه وقد أعد لهما عدة من خواصه فقبض عليهما ونفاهما إلى جزيرتين في البحر منفردتين ففتك أحدهما وهو قسطنطين بالموكل به ورام من أصحابه وأهل الجزيرة طاعته فقتلوه وحملوا رأسه إلى الملك قسطنطين فأظهر الجزع عليه وتوفي أرمانوس بعد أربع سنين من ترهبه وبقي أصطفن في هذه الجزيرة إلى هذا الوقت على ما ينمى إلينا من أخبارهم ونحن بفسطاط مصر ممن يرد في المراكب من القسطنطينية من التجار والرسل إلى السلطان بها وصفا الملك لقسطنطين فبقي في الملك بقية أيام المقتدر والقاهر والراضي والمتقي والمستكفي وإلى هذا الوقت من خلافة المطيع قال المسعودي‏:‏ وقد ذكرنا في كتاب فنون المعارف وما جرى في الدهور السوالف خبر من خرج عليه من الخوارج ونازعه الملك قبل استيلاء أرمانوس عليه وقيامه به كقسطنطين بن أندرونقس الملقب بدوقاس وكان أبوه أندرونقس استأمن إلى المكتفي من ناحية طرسوس وكان صاحب جيش أليون ملك الروم وصار إلى مدينة السلام في سنة 294 وأسلم على يد المكتفي ثم هلك فهرب ابنه هذا على طريق الجبل وأرمينية وآذربيجان فكثر أتباعه والمعاضدون له وصار إلى القسطنطينية ونازع قسطنطين بن أليون على الملك وكاد أن يتم له ثم وثب به صنائع قسطنطين فقتلوه وذلك في سنة 301 وكقرقاس أخي الدمستق بارزوس بن الفقاس المساجل في هذا الوقت لأبي الحسن علي بن عبد الله بن حمدان بن حمدون بن الحارث العدوي عدي بن أسامة بن مالك بن بكر بن حبيب بن عمر بن غنم بن تغلب صاحب جند حمص وجند قنسرين والثغور الشأمية والجزيرة وديار مضر وديار بكر والمواقع له مرة بعد أخرى وكان قرقاس وقد أتينا على سير هؤلاء وأخبارهم وحروبهم مع سائر الأمم وما بنوا من المدن وكورواً من الكور وشيدوا من الهياكل حين كانوا على الحنيفية والكنائس حين دانوا بالنصرانية وما كان من الكوائن والأحداث في أيامهم ودياناتهم ووجوه سياساتهم إلى هذا الوقت والتنازع في أعدادهم وما ملكوا من السنين وما كان بينهم وبين ملوك الفرس وغيرهم من الأمم من الحروب والوقائع والزحوف والحيل والمكايد وما كان بينهم وبين خلفاء المسلمين وملوكهم من المغازي والوقائع المشهورة في البر والبحر وأخبار الرسل والوفود بينهم والمهادنات والأفدية وغير ذلك والتنازع في أنساب الروم وما قيل في وما يذهب إليه بعض ذوي المعرفة منهم والدراية في هذا الوقت من أنهم ولد رومي ابن لنطي بن يونان بن نويه بن سرجون بن بزنط بن توفيل بن رومي بن الأصفر بن أليفز بن العيص بن إسحاق بن إبراهيم فسموا باسم جدهم وأضيفوا إليه ومن قال منهم أنهم من ولد روم بن سملاحين بن هريا بن علقا بن العيص ابن إسحاق بن إبراهيم وغير ذلك من الأقاويل في كتاب أخبار الزمان ومن أباده الحدثان من الأمم الماضية والأجيال الخالية والممالك الداثرة في الكتاب الأوسط وفي النسخة الأخيرة من كتاب مروج الذهب ومعادن الجوهر التي قررنا أمرها في هذا الوقت المؤرخ به كتابنا وهي أضعاف ما تقدم من النسخ وفي كتاب فنون المعارف وما جرى في الدهور السوالف وفي كتاب ذخائر العلوم وفي كتاب الاستذكار لما جرى في سالف الأعصار الذي كتابنا هذا تال له ومبني عليه وقد خصصنا كل كتاب منها من أخبارهم بما لم نخصص به الآخر إلا ما لا يسع تركه وإنما ذكرنا في هذا الكتاب جملاً وجوامع استذكاراً لما تقدم وقد قدمنا في أول أخبار الروم من هذا الكتاب أن عدة ملوك الروم ثمانية وسبعون ملكاً من الصابئين والمتنصرة قبل الإسلام وبعده وأن مدة سنيهم إلى ملك قسطنطين هذا تسعمائة سنة وست وستون سنة وشهر وفصلنا ما ملكه الصابئون والمتنصرة فإذ قد ذكرنا الروم وأنسابهم وتأريخ سنيهم وطبقات ملوكهم إلى وقتنا هذا فلنذكر الآن حدود بلادهم وبنودهم وما يتصل منها بالبحار وما لا يتصل ذكر بنود الروم وحدودها ومقاديرها وما يتصل منها بالخليج وبحر الروم والخزر وما اتصل بذلك من اللمع المنبهة على ما تقدم من تأليفنا فيما سلف من كتبنا أرض الروم أرض واسعة في الطول والعرض آخذة في الشمال بين المشرق والمغرب مقسومة في قديم الزمان على أربعة عشر قسماً‏:‏ أعمال مفردة تسمي البنود كما يقال‏:‏ أجناد الشام كجند فلسطين وجند الأردن وجند دمشق وجند حمص وجند قنسرين‏.‏

غير أن بنود الروم أوسع من هذه الأجناد وأطول والروم يسمون بلادهم أرمانيا ويسمون البلاد التي سكانها المسلمون في هذا الوقت من الشأم والعراق وسوريا‏.‏

والفرس إلى هذا الوقت تقارب الروم في هذه التسمية فيسمون العراق والجزيرة والشأم سوستان إضافة إلى السريانيين الذين هم الكلدانيون ويسمون سريان ولغتهم سورية وتسميهم العرب النبط‏.‏

فالبند الأول الأفتي ماتي تفسير ذلك الأذن والعين وهو بند الناطليق أعظم بنود الروم فيه عمورية أوله مما يلي بلاد الإسلام من الثغور الشامية حصن هرقلة وأول عمل الناطليق رستاق يعرف بغصطوبلي وفيه يقوم سوق البخور وهو سوق يقوم في السنة مرة‏.‏

البند الثاني بند الأبسيق فيه مدينة نيقية أول عمل هذا البند غصطوبلي وآخره خليج القسطنطينية فهذان البندان من دار الإسلام إلى خليج القسطنطينية في الطول يكون أميالاً أربعمائة ميل وأربعة وثلاثين ميلاً‏.‏

البند الثالث يسرة الناطليق ويعرف بترقسين وهو بند أفسيس مدينة أصحاب الكهف ومدينة زمرني أخرج هذا البند عدة من الحكماء في سالف الزمان فلاسفة وأطباء فمن الأطباء روفس الأفسيسي له مصنفات كثيرة في الطب وجالينوس يمدحه في كثير من كتبه ويذم روفس الينيطي وهذا البند متصل ببحر الروم والشأم‏.‏

البند الرابع بند بنطيليا وهي دقابلي يتصل بالبحر الرومي أيضاً وفي آخر هذا البند عمل سلوقية وحصن بوقيةواللامس الذي يكون فيه الفداء بين المسلمين والروم ومنه إلى طرسوس خمسة وثلاثون ميلاً وهو بند ضيق وحروب المسلمين عليه براً وبحراً فهذان البندان متصلان من دار الإسلام على البحر الرومي إلى خليج القسطنطينية أيضاً يكون طولهما ثلاثمائة ميل وخمسة وستين ميلاً‏.‏

البند الخامس بند القباذق وهو يمنة عمورية فيه قرة وحصن يدقسي وحصن سلندو وذو الكلاع - واسمه بالرومية كوبسطرة - وقونية ووادي سالمون ووادي طامسة وأول عمل هذا البند مما يلي الثغور الشأمية مطمورة تعرف بماجدة من قلعة لؤلؤة على نحو عشرين ميلاً وآخره نهر آلس وتفسير آلس بالعربية نهر الملح وهو نهر مقلوب يجري مما يلي الجنوب مستقبلاً للشمال كنيل مصر ومهران السند ونهر أنطاكية المعروف بالأرنط وما عدا ذلك من الأنهار الكبار فمصبها كلها من الشمال إلى ناحية الجنوب لارتفاع الشمال على الجنوب وكثرة مياهه وقد أتينا على علة ذلك فيما سمينا من كتبنا‏.‏

البند السادس بند البقلاّر وهو بند عمل أنقرة وأول عمل أنقرة نهر آلس وهو آخر عمل القباذق وآخر عمل البقلار بحر الخزر الذي هو بحر مايطس فهذان البندان متصلان من دار الإسلام إلى بحر الخزر في الطول يكون أميالاً أربعمائة ميل وخمسة وأربعين ميلاً وليس للروم أطول من بند البقلار هذا ولا أكثر رجالة منه‏.‏

البند السابع بند الأفطماط وهو عمل نقمودية وهو بند مربع بين البقلار والأبسيق وآخر عمل هذا البند خليج القسطنطينية وعرض الخليج هناك ميل ويسمى ذلك الموضع إلى هذا الوقت أقروبلي‏.‏

وقد قدمنا صفة ذلك فيما سلف من هذا الكتاب في ملك قسطنطين بن هيلاني عند ذكر بنائه القسطنطينية ووصف خليجها والعدوات الست التي عليه البند الثامن بند الأرمنياق يمنة البقلار وهو عمل ماسية وفي طرف هذا البند عمل خرشنة وآخره بحر مايطس الذي يسميه كثير من الناس بحر الخزر وإنما هو متصل به لأن بحر الخزر هو الذي عليه دور الأعاجم كالباب والأبواب وموقان والجبل والديلم وآبسكون ساحل جرجان وإليهم ساحل آمل قصبة طبرستان على ما قدمناه فيما سلف من هذا الكتاب عند إخبارنا البند التاسع بند فلاغونية وهو يمنة الأرمنياق وفي طرفه عمل قلونية فهذه تسعة بنود دون الخليج ما يلي الثغور الشأمية والجزرية وغيرها من بلاد الإسلام والخمسة الباقية من البنود وراء الخليج متصلة بالقسطنطينية وهي بند طابلا ومنه القسطنطينية حده من جهة المشرق الخليج الآخذ من بحر الخزر إلى بحر الشأم ومن القبلة بحر الشأم ومن المغرب سور ممدود من بحر الشأم إلى بحر الخزر يسمى مقورن تيخس تفسيره السور الطويل طوله مسيرة أربعة أيام وبينه وبين القسطنطينية يومان وأكثر هذا البلد ضياع الملك والبطارقة ومروج المواشي بند تراقية بند مقدونية بند بلبونيسة تفسير ذلك الجزائر الكثيرة وقيل البلدان الكثيرة وهو غربي القسطنطينية فيه خرقيذية ومثونية وقرنتو وأثينس وهي مدينة أرسطاطاليس بن نيقوماخس وثاوفرسطس ودار أرسطاطاليس فيها بينة إلى هذا الوقت معروفة معظمة بند سالونيكة التي افتتحها لاون غلام زرافة في البحر سنة 29 في خلافة المكتفي وهي مدينة عظيمة بنيت قبل القسطنطينية بناها الإسكندر بن فيلبس الملك وقد غلبت البرغر وأجناس من الترك بدو يسمون الولندرية إضافة إلى مدينة في أقاصي ثغور الروم مما يلي المشرق تعرف بولندر وهم بجناك ويجني وبجغرد ونوكبردة على أكثر هذه البنود الخمسة وذلك بعد العشرين والثلاثمائة وخيموا هناك ومنعوا الطريق من القسطنطينية إلى رومية وهي مسافة نحو أربعين يوماً وأخربوا أكثر ما هناك من العمائر واتصلت غاراتهم بالقسطنطينية فلا وصول لمن في القسطنطينية إلى رومية في هذا الوقت إلا في البحر وإنما العمارة بينهما مما يلي القسطنطينية مسيرة أيام كثيرة وقد ذكرنا في كتاب فنون المعارف وما جرى في الدهور السوالف السبب في انتقال هذه الأجناس الأربعة منالترك عن المشرق وما كان بينهم وبين الغزية والخرلخية والكيماكية من الحروب والغارات على البحيرة الجرجانية وإليها يصب نهر جيحون ونهر الشاش وفرغانة وبلاد الفاراب تجري فيها السفن البار من بلاد خوارزم إلى بلاد الشاش وغيرها بأنواع التجارات على ما قدمنا فيما سلف من هذا الكتاب وليس في المعمور أكبر منها لأنها مسيرة شهر في مثل ذلك وقيل أكثر على ما قدمنا وماؤها عذب ويليها في العظم بحيرة المارزبون بأرض الروم وسبب مسيرهم إلى هذه الديار‏.‏

وكان صاحب رومية منقاداً إلى صاحب القسطنطينية مطيعاً له ممتثلاً لأمره لا يلبس تاجاً ولا يتسمى بالملك على ذلك جرت رسومهم قديماً قبل ظهور الإسلام إلى نحو سنة 340 للهجرة فإن صاحب رومية قوي أمره وكثرت جموعه فلبس التاج والثياب الفرفير والخفاف الحمر وغير ذلك مما يختص به ملك الروم وتسمى ملكاً فلما بلغ قسطنطين بن أليون الملك على الروم في هذا الوقت ذلك أنفذ إليه الجيوش فعادت إليه منكوبة مهزومة فكاتبه حينئذ ورضي منه بالمسألة وقد كان جرى بينهما مصاهرة قبل هذه المنابذة زوج ملك رومية ابنته بأرمانوس بن قسطنطين وحملها إليه وجهزها بأفخر ما تجهز به بنات الملوك وأعظمه قدراً فهلكت عنده وسائر أجناس الإفرنجية من الجلالقة والجاسقس والوشكنس وأرمانجس وأكثر الصقالبة والبرغر وغيرهم من الأمم فدائنون بالنصرانية منقادون إلى صاحب رومية ورومية دار مملكة الإفرنجة العظمى قديماً وحديثاً وقد ذكر ذلك أرسطاطاليس في رسالته إلىالإسكندر التي يحرضه فيها على المسير لحرب دارا بن دارا ملك فارس فقال إنك أيها الملك قد رأيت أمارات الظفر عند مسيرك أولاً إلى الإفرنجة فإن مشايخهم الذين كانوا على تخوم بلادهم لما دنوت منهم أسلموا أطراف بلادهم والتجئوا إلى مدينتهم العظمى رومية قال المسعودي‏:‏ وكانت مساكن الروم واليونانيين متجاورة كمجاورة سكان العراق وهم النبط للفرس سكان فارس والأهواز وأرض الجبال من الماهات وغيرها على ما ذكرنا فيما سلف من هذا الكتاب في باب الأمم السبع قبل تجيل الأجيال وتحزب الأمم إلى أن غلبت الروم على دار اليونانيين وصار الجميع روما كغلبة الفرس على مملكة النبط غير أن كل فريق منهم يحفظون أنسابهم يرجعون إلى شعوبهم وقد ذكرنا في أخبار اليونانيين من كتاب فنون المعارف وما جرى في الدهور السوالف أنه هذه البنود التسعة التي تلي أرض الإسلام في هذا الوقت كانت ديار اليونانيين فإلى وراء الخليج بأيام وكانت ديار الروم ما وراء ذلك إلى ما وراء بلاد رومية وأرض الإفرنجة براً وبحراً وذلك نحو من خمسمائة فرسخ إلى أن تتصل بحر أوقيانس المحيط وبلاد الأندلس وأتينا على أخبار هذه البنود ومقاديرها وما يتصل منها بالبحر وما لا يتصل وما فيها من الحصون العظام والمواني والبحيرات والأنهار والهوتات والحمات‏.‏

وما وطئ منها المسلمون في أيام مغازيهم إلى هذا الوقت المؤرخ به كتابنا وحدودها وبماذا التنازع في أسمائها وإلى ماذا أضيفت وولاتها ومراتبها ومواضعها وسماتهم ومقادير جيوشهم ومن يحاربهم من الأمم في البر والبحر وما استرجعوه مما كان المسلمون غلبوا عليه من بلادهم كملطية وشمشاط وحصن منصور وقلعة إبريق التي كانت مدينة البيالقة وكان بها عدة من بطارقتهم منهم قريباس مولى آل طاهر بن الحسين وخرسخارس وغيرهما ومدينة سيحان التي يخرج منها العيون التي هي أصل نهر سيحان وهو نهر أذنة من الثغر الشأمي وغير ذلك من الثغور الجزرية فإلى بلاد قاليقلا وما يتصل بذلك من المشرق والشمال كأرمينية وغيرها والحصون التي عمرت مما كان المسلمون أخربوه في أول الإسلام مما يلي الثغور الشأمية وما غلبت عليه البرغر وبجناك من الترك وغيرهم من الولندرية من ثغور الروم في هذا الوقت وخبر السور المسمى بالرومية مقرون تيخس تفسير ذلك السور الطويل كما ذكرنا آنفاً الحاجز بين بلاد برجان وبين البنود الخمسة التي وراء القسطنطينية المبني في سالف الدهر بين جبلين عظيمين وهو دون النهر العظيم المسى بالصقلبية دنابي وعرضه نحو من ثلاثة أميال على ما قدمنا ذكره وعليه كثير من البرغر والصقالبة وغيرهم من الأمم الواغلين في الشمال وقول من قال إنه جيحون نهر بلخ على ما ذكرناه فيما سلف من هذا الكتاب في أخبار أنهار العالم الكبار ومصباتها في البحار وغير ذلك من أخبار الروم وبلادهم وإنما ذكرنا في هذا الكتاب لمعاً استذكاراً لما تقدم تصنيفه وتنبيهاً على ما سلف تأليفه وذكرنا فيما تقدم من كتبنا سائر الممالك والأمم ومساكنهم وملوكهم وسيرهم وسياساتهم وحروبهم ووجوه عباداتهم ممن سكن المشرق والمغرب والشمال والجنوب كالهند والصين والترك والخزر واللان ومن سكن جبل القبق من اللكز ومن جاور الباب والأبواب وقرب من هذا الجبل من الأمم كاللان والسرير والخزر وجرزان والأبخاز والصنارية وكشك والكاسكية وغيرهم والأبر وبرجان والروس والبرغر والإفرنجة والصقالبة وأجناس السودان مع اختلاف ديارهم وبنائهم وتباينهم في مساكنهم ولغاتهم وأخبار مصر والإسكندرية وملوكها ونيلها وما عليه من ممالك الكوشانيين وهم ولد حام بن نوح وأخبار الكلدانيين وهم السريانيون المسمون النبط وأخبار بني إسرائيل وأنبيائهم وملوكهم ورؤسائهم وقوامهم والأربعة والعشرين كتاباً التي تجتمع اليهود والنصارى عليها تسميها اليهود الكتب الجامعة والنصارى كتب الصورة - والصورة القديمة اثنا عشر منها صغار واثنا عشر كبار وتسمى أيضاً كتب الأنبياء منها التوراة خمسة أسفار وليس تقرأ النصارى في الكنائس من التوراة إلا السفر الأول وهو الخليقة وغير ذلك مما تقدم عنها وتأخر وأخبار العرب البائدة كعاد وعبيل ابني عوص بن أرم بن سام بن نوح وثمود وجديس ابني عابر ابن أرم بن سام وعمليق وطسم ابني لاود بن أرم ابن سام ابن نوح ووبار بن أميم بن لاود بن أرم بن سام بن نوح وجرهم بن قحطان بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام وعبس بن ضخم بن عبد بن هرم بن عابر بن أرم بن سام وغيرهم وتفرقهم عن أرض العراق بعد تبلبل الألسن وما كان من قضية المجدل وما ارتجز به كل فريق منهم وأخبار العرب الباقية من معد وقحطان وأنسابهم وأخبار ملوكهم وأخبار ملوك حمير من التبابعة وغيرهم والتنازع في كمية أعدادهم ومن قال إنهم سبعون تبعاً واستشهد بقول عبد الرحمن بن حسان بن ثابت أو النعمان لنا من بني قحطان سبعون تبعاً أقرت لها بالخرج منها الأعاجم وقول من قال أقل من ذلك وأكثر والسبب الذي به سموا التبابعة ومن قال أن هذه السمة لم يكن يستحقها منهم إلا من ملك اليمن وحضرموت واجتمعت له طاعتهم ومن رأى أنه إنما قيل للملك منهم تبع تشبيهاً بالظل الذي يتفيأ به وأن التبع في أصل اللغة الظل إذ كان الملوك السعداء ظلاً لرعيتهم وكهفاً لها وملجأ واستشهادهم بقول ليلى الجهنية وقيل قول سعدي الجهنية يرد المياه حضيرة ونفيضة ورد القطاة إذا اسمأل التبع يعني ارتفع الظل وقيل لمعان غير ذلك ومن سار منهم في البلاد ووطئ الممالك ووصاياهم وعهودهم وحكمهم ومغازيهم من لدن حمير وهو الغرنجج ويسمى أيضاً زيد بن سبأ وهو عبد شمس إلى زوال نظامهم وانقضاء ملكهم بغلبة الحبشة عليهم والتنازع في مدة ما ملكوا من السنين من مكثر ومقلل وأقل ما قيل في مدة ملكهم ما حكاه محمد بن موسى الخوارزمي في زيجه في النجوم وغيرهم أن ذلك ألف وتسعمائة سنة وثمان وثلاثون سنة ومن تلاهم من ذوي المراتب الملوكية كالأقيال والأذواء والمثامنة والعباهلة وغيرهم وقيل أن الأذواء لم تكن مرتبة وإنما هي سماة لملوكهم كذي الأذعار وذي المنار وذي يزن وذي ومن ملكته الروم من اليمن بالشأم من تنوخ والضجاعم من سليخ بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة وغسان استكفاء بهم من يليهم من بادية العرب أولهم جفنة بن عمرو مزيقياء بن عامر ماء السماء بن حارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد وآخرهم جبلة بن الأيهم بن جبلة بن الحارث بن ثعلبة بن عمرو بن جفنة الذي لحق بالروم بعد فتوح الشأم ومن ملكته الفرس بالحيرة من أرض العراق من بني نصر بن لخم من النعامنة والمناذرة وهم ولد عمرو بن عدي بن نصر بن ربيعة بن عمرو بن الحارث بن سعود بن مالك بن غنم بن نمارة بن لخم واسمه مالك بن عدي ابن الحارث بن مرة بن أدد بن زيد بن كهلان ليكفوا بهم من يليهم من بوادي العرب أيضاً وآخرهم النعمان بن المنذر الذي قتله كسرى أبرويز وملك الحيرة بعده أياس بن قبيصة الطائي وغيره إلى أن جاء الله بالإسلام وكان عدة من ملك الحيرة من بني نصر والعباد وغسان وتميم وكندة والفرس وغيرهم نيفاً وعشرين ملكاً ملكوا خمسمائة سنة واثنتين وعشرين سنة وشهوراً وعمروا بن عدي هو صاحب المثل السائر كبر عمرو عن الطوق وهو ابن أخت جذيمة الأبرش الذي قتلته الزباء ابنة عامر بن ظرب وجذيمة صاحب النديمين الذين يضرب بهما المثل وفيهما قال متمم بن نويرة اليربوعي في مرثيته وكنا كندماني جذيمة حقبة من الدهر حتى قيل لن يتصدعا فلما تفرقنا كأني ومالكاً لطول اجتماع لم نبت ليلة معا ومن ملك من كندة على معد وغيرها أولهم معاوية بن ثور بن مرتع وهو من كندة وآخرهم حجر بن الحارث بن عمرو أبو امرئ القيس بن حجر وهو الذي قتله بنو أسد بن خزيمة وأخبار ولد نزار بن معد بن عدنان بن أد بن أدد ابن الهميسع بن تيمن بن نبت بن إسماعيل بن إبراهيم - ربيعة ومضر وهما الصريحان من ولد إسماعيل بن إبراهيم - وإياد وأنمار مع تنازع النساب فيهما من اليمن هم أم من نزار واستشهاد من ألحق إياداً بنزار بقول أبي داود جويرية بن الحجاج الإيادي وفتو حسن أوجههم من إياد بن نزار بن معد وبقول الكميت بن زيد الأسدي إياد حين تنسب من معد وإن رغمت أنوف الراغمينا وكانوا في الذؤابة من نزار وأهل لوائها مترزنينا وقول نساب اليمانية إنه إياد بن أحاظة بن سعد من حمير واستشهاد من ألحق أنماراً بنزار بقول الكميت أيضاً لهم لغة تبين من أبيهم مع الغر الشوادخ ذي الحجول وقل اليمن إنه أنمار بن أراش بن الغوث وهو الأزد بن نبت بن مالك ابن زيد كهلان وأنه ولد له سبعة من الذكور فخمسة منهم يدعون بجيلة وواحد يدعى خثعماً وواحد ينسب والده إلى الأزد‏.‏

وسبب تفرق هذه القبائل وغيرها من معد عن الحجاز وما قالته نساب القحطانية فيمن تخلج وتنقل عن قبائلهم إلى معد وانتسبوا فيهم وما قالته نساب المعدية فيمن تخلج أيضاً وتنقل عن قبائلهم إلى قحطان والسبب الذي لأجله انقادت القحطانية إلى تمليك الملوك عليها وأبت المعدية ذلك إلى أن جاء الله بالإسلام ولم سمت القحطانية أنفسها ومن تقدمها من العرب البائدة العرب العاربة وسموا معداً العرب المتعربة وغير ذلك من فنون الأخبار وضروب السير والآثار على الشرح والإيضاح قال المسعودي‏:‏ فإذ ذكرنا اليونانيين وملوكهم وغلبة الروم عليهم ودخولهم في جملتهم وملوك الروم على طبقاتهم من الحنفاء والمتنصرة قبل ظهور الإسلام وبعده إلى وقتنا هذا وهو سنة 45 فلنذكر الآن ما كان من الأفدية والهدن بين الروم والعرب في أيام ولد العباس إذ لم يكن في أيام بني أمية فداء معروف مشهور فنذكره بل كان يفادى بالنفر بعد النفر في سواحل الشأم ومصر ذكر الأفدية بين المسلمين والروم الفداء الأول‏:‏ فداء أبي سليم كان أول فداء جرى في أيام ولد العباس في خلافة الرشيد باللامس من ساحل البحر الرومي على نحو من خمسة وثلاثين ميلاً من طرسوس سنة 189 والملك على الروم نقفور بن استبراق يقال أنه فودي بكل أسير كان بأرض الروم من ذكر وأنثى فيما ظهر وذلك على يد القاسم ابن الرشيد باسمه وهو معسكر بمرج دابق من بلاد قنسرين من أعمال حلب وفيه قيل يا أيها النفر الغزا ة النازلون بمرج دابق أنى لغاز لو ترك ت إلى حبيب لي موافق حضر هذا الفداء وقام به أبو سليم فرج خادم الرشيد المتولي له بناء طرسوس ف سنة 171 للهجرة وسالم البرلسي البربري مولى بني العباس في ثلاثين ألفاً من المرتزقة وحضره من أهل الثغور وغيرهم من أهل الأمصار وغيرهم نحو من خمسمائة ألف وقيل أكثر من ذلك بأحسن ما يكون من العدد والخيل والسلاح والقوة قد أخذوا السهل والجبل وضاق بهم الفضاء‏.‏

وحضرت مراكب الروم الحربية بأحسن ما يكون من الزي ومعهم أسارى المسلمين وكان عدة من فودي به م المسلمين في اثني عشر يوماً ثلاثة آلاف وسبعمائة وقيل أكثر من ذلك وأقل‏.‏

والمقام باللامس نحو من أربعين يوماً قبل الأيام التي وقع الفداء فيها وبعدها‏.‏

وإنما نذكر في كل فداء يرد فيما بعد هذا الفداء الأيام التي وقع فيها الفداء لا مدة مقام الناس باللامس إذ كان يطول ويقصر وفي هذا الفداء يقول مروان بن أبي حفصة في كلمة له طويلة يمدح بها الرشيد وفكت بك الأسرى التي شيدت لها محابس ما فيها حميم يزورها على حين أعيا المسلمين فكاكها وقالوا سجون المشركين قبورها الفداء الثاني‏:‏ فداء ثابت في خلافة الرشيد أيضاً باللامس في سنة 192 والملك على الروم نقفور بن استبراق أيضاً وكان القيم به ثابت بن نصر بن مالك الخزاعي أمير الثغور الشأمية حضره مئو ألوف من الناس وكان عدة من فودي به من المسلمين في سبعة أيام ألفين وخمسمائة ونيفاً من ذكر وأنثى الفداء الثالث‏:‏ فداء خاقان في خلافة الواثق باللامس في المحرم سنة 231 والملك على الروم ميخائيل بن توفيل وكان القيم بن خاقان الخادم التركي وعدة من فودي به من المسلمين في عشرة أيام أربعة آلاف وثلاثمائة واثنين وستين من ذكر وأنثى وقيل أربعة آلاف وسبعة وأربعين على ما وفي هذا الفداء أخرج أهل زبطرة وفيه خرج مسلم بن أبي مسلم الجرمي وكان ذا محل في الثغور ومعرفة بأهل الروم وأرضها وله مصنفات في أخبار الروم وملوكهم وذوي المراتب منهم وبلادهم وطرقها ومسالكها وأوقات الغزو إليها والغارات عليها ومن جاورهم من الممالك من برجان والأبر والبرغر والصقالبة والخزر وغيرهم وحضر هذا الفداء مع خاقان رجل يكنى أبا رملة من قبل أحمد بن أبي داود قاضي القضاة يمتحن الأسارى وقت المفاداة فمن قال منهم بخلق التلاوة ونفى الرؤية فودي به وأحسن إليه ومن أبى ترك بأرض الروم فاختار جماعة من الأسارى الرجوع إلى أرض النصرانية على القول بذلك وأبى أن يسلم الانقياد إلى ذلك فنالته محن ومهانة إلى أن تخلص الفداء الرابع‏:‏ فداء شنيف في خلافة المتوكل باللامس في شوال سنة 241 والملك على الروم ميخائيل بن توفيل وكان القيم به شنيف الخادم مولاه وحضر جعفر بن عبد الواحد الهاشمي القرشي القاضي وعلي بن يحيى الأرمني صاحب الثغور الشأمية فكان عدة من فودي به من المسلمين في سبعة أيام ألفين ومائتي رجل وقيل ألفي رجل ومائتي امرأة وكان مع الروم من النصارى المأسورين من أرض الإسلام مائة رجل ونيف فعوضوا مكانهم عدة أعلاج إذ كان الفداء لا يقع على نصراني ولا ينعقد الفداء الخامس‏:‏ فداء نصر بن الأزهر وعلي بن يحيى في خلافة المتوكل أيضاً باللامس مستهل صفر سنة 246 والملك على الروم ميخائيل بن توفيل أيضاً وكان القيم به علي بن حيى الأرمني أمير الثغور الشأمية ونصر بن الأزهر الطائي الشيعي من شيعة ولد العباس المراسل إلى الملك في أمر هذا الفداء من قبل المتوكل وعدة من فودي به من المسلمين في سبعة أيام ألفان وثلثمائة وسبعة وستون من ذكر وأنثى وقد ذكر بعض من لحقنا أيامه من مصنفي الكتب في الكوائن والأحداث والسير والتواريخ أن فداء كان في أيام المعتز والملك على الروم بسيل على يد شفيع الخادم في سنة 253 الفداء السادس‏:‏ فداء ابن طغان في خلافة المعتضد باللامس في شعبان سنة 283 والملك على الروم أليون بن بسيل أبو قسطنطين بن أليون الملك على الروم في وقتنا هذا وكان القيم به أحمد بن طغان أمير الثغور الشأمية وأنطاكية من قبل أبي الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون صاحب مصر وأجناد الشأم وديار مضر وغيرها وكانت الهدنة لهذا الفداء وقعت في أيام أبي الجيش في سنة 282 فقتل أبو الجيش بدمشق في ذي القعدة من هذه السنة وتم الفداء في أيام ولده جيش ابن خماروية فكان عدة من وفدي به من المسلمين في عشرة أيام ألفين وأأربعمائة وخمسة وتسعين من ذكر وأنثى وقيل ثلاثة آلاف الفداء السابع‏:‏ فداء رستم ويعرف بفداء الغدر في خلافة المتفي باللامس في ذي القعدة سنة 92 والملك على الروم أليون بن بسيل أيضاً القيم به رستم ابن بردو الفرغاني أمير الثغور الشأمية وكان عدة من فودي به من المسلمين في أربعة أيام ألفاً ومائة وخمسة وخمسين من ذكر وأنثى ثم غدر الروم وانصرفوا ببقية الأسارى الفداء الثامن‏:‏ فداء رستم أيضاً ويعرف بفداء التمام في خلافة المكتفي أيضاً باللامس في شوال سنة 295 والملك على الروم أليون أيضاً - القيم به رستم بن بردو وكان عدة من فودي به من المسلمين ألفين وثمانمائة واثنين وأربعون من ذكر وأنثى الفداء التاسع‏:‏ فداء مؤنس في خلافة المقتدر باللامس في شهر ربيع الآخر سنة 305 والملكان على الروم قسطنطين بن أليون ملكهم في وقتنا هذا وأرمانوس‏.‏

وقسطنطين يومئذ صغير في حجره وكان القيم به مؤنس الخادم وبشرى الخادم الأفشيني أمير الثغور الشأمية وأنطاكية والمتوسط له والمعاون عليه أبو عمير عدي بن أحمد بن عبد الباقي التميمي الأذني وعدة من فودي به من المسلمين في ثمانية أيام ثلاثة آلاف وثلاثمائة وستة وثلاثون من ذكر وأنثى الفداء العاش‏:‏ فداء مفلح في خلافة المقتدر أيضاً باللامس في رجب سنة 313 والملكان على الروم قسطنطين وأرمانوس وكان القيم به مفلح الخادم الأسود المقتدري وبشرى خليفة ثمل الخادم الدّلفى على الثغور الشأمية وعدة من فودي به من المسلمين في تسعة عشر يوماً ثلاثة آلاف وتسعمائة وثلاثة وثمانون من ذكر وأنثى الفداء الحادي عشر‏:‏ فداء ابن ورقاء في خلافة الراضي باللامس في سلخ ذي القعدة وأيام من ذي الحجة سنة 326 والملكان على الروم قسطنطين وأرمانوس وكان القيم به ابن ورقاء الشيباني من قبل الوزير الفضل بن جعفر بن الفرات وبشرى الثملي أمير الثغور الشأمية وكان عدة من فودي به من المسلمين في ستة عشر يوماً ستة آلاف وثلاثمائة ونيفاً من ذكر وأنثى وفضل في أيدي الروم من المسلمين ثمانمائة رجل ردوا وفودي بهم على نهر البدندون في مرارشتى وزيد في الهدنة بعد انقضاء الفداء مدة ستة أشهر لأجمل من تخلف في أيدي الروم من المسلمين حتى جمع الأسارى لهم الفداء الثاني عشر‏:‏ فداء ابن حمدان في خلافة المطيع باللامس في شهر ربيع الأول سنة 335 والملك على الروم قسطنطين وكان القيم به نصر الثملي أمير الثغور الشأمية من قبل أبي الحسن علي بن عبد الله بن حمدان وكان عدة من فودي به من المسلمين ألفين وأربعمائة واثنين وثمانين من ذكر وأنثى وفضل للروم على المسلمين قرضاً مائتان وثلاثون لكثرة من كان في أيديهم فوفاهم أبو الحسن ذلك وحمله إليهم وكان الذي شرع في هذا الفداء وابتدأ به الإخشيذ محمد بن طغج أمير مصر والشأم والثغور الشأمية وكان أبو عمير عدي بن أحمد بن عبد الباقي الأذني شيخ الثغر والمنظور إليه منهم قدم إليه إلى دمشق في ذي الحجة سنة 334 ونحن يومئذ بها ومعه يوانس الأنسيبطوس البطريقوس المسدقوس المترهب رسول ملك الروم في إتمام هذا الفداء وكان ذا رأي وفهم بأخبار ملوك اليونانيين والروم ومن كان في أعصارهم من الفلاسفة وقد أشرف على شيء من آرائهم والإخشيذ حينئذ شديد العلة فتوفي يوم الجمعة لثمان خلون من ذي الحجة من هذه السنة وسار أبو المسك كافور الإخشيذي بالجيش راجعاً إلى مصر وحمل معه أبا عمير والمسدقوس إلى بلاد فلسطين فدفع إليهما ثلاثين ألف دينار من مال هذا الفداء وصارا إلى مدينة صور فركبا في البحر إلى طرسوس فإلى ما وصلا إليها كاتب بشرى الثملي أمير الثغور الشأمية أبا الحسن بن حمدان ودعا له على منابر الثغور الشأمية فجد في إتمام هذا الفداء فعرف به قال المسعودي وهذا آخر فداء كان بين المسلمين والروم إلى وقتنا المؤرخ به كتابنا وقد ذكرت أفدية غير هذه لم نجد لها حقيقة لا اشتهر أمرها ولا استفاض خبرها منها فداء كان في أيام المهدي على يد المعروف بالنقاش الأنطاكي ومنها فداء كان في أيام الرشيد في شوال سنة 181 على يد عياض بن سنان أمير الثغور الشأمية وفداء كان على يد ثابت بن نصر في أيام الأمين في ذي القعدة سنة 194 وفداء كان في أيام المأمون في ذي القعدة سنة 201 على يد ثابت أيضاً وفداء كان في أيام المتوكل سنة 247 على يد محمد بن علي وفداء كان في أيام المعتمد في شهر رمضان سنة 258 على يد شفيع ومحمد بن علي والصحيح منها والمعول عليه هو ما رسمناه دون ما عداه وقد ذكرنا في كتاب فنون المعارف وما جرى في الدهور السوالف وفي كتاب الاستذكار لما جرى في سالف الأعصار شرح هذه الأفدية ومن حضرها وكيفية وقوعها ومن ترسل فيها وتوسطها بين المسلمين والروم وشروطها ومقادير النفقات فيها وهدنها وما كان بين المسلمين والروم من المغازي في البر والبحر من الصوائف والشواتي والربيعيات وما جرى بين الروم وبرجان والبرغر والترك وغيرهم من الوقائع المشهورة والحروب المذكورة وغير ذلك فلنذكر الآن جامع تاريخ العالم والأنبياء والملوك وما اتصل بذلك وجامع تأريخ العالم من آدم إلى نبينا صلّى الله عليه وعلى آله وما اتصل بذلك ليس أمة من الأمم من الشريعيين وغيرهم ممن سلف وخلف إلا ولها تأريخ ترجع إليه وتعول عليه في أكثر أمورها ينقل ذلك خلف عن سلف وباق عن ماض إذ كان به تعرف الحوادث العظام والكوائن الجسام وما كان في الأزمان الماضية والدهور الخالية ولولا ضبط ذلك وتقييده لانقطعت الأخبار ودرست الآثار وجهلت الأنساب ولذلك أخذ الإسكندر أهل مملكته بتقييد أيامه وحفظ تأريخه وسيره لكيلا يضيع ما بان من أمره وحمد من سعيه ولا يجهل كثرة من ناصب من الأعداء وقتل من الملوك ووطئ من البلاد وحوى من المملكة لعلمه بما يلحق كثيراً من الناس من التواني عن نقل الأخبار وتقييد السير والآثار وإعراضهم عن ذلك إيثاراً للدعة وميلاً إلى التخفيف‏.‏

واحتذى فعله أردشير بن بابك لما قتل ملوك الطوائف واستوسقت له الأمور وانقاد الناس إلى طاعته قام بضبط سيرته وعهوده وأيامه وحروبه إلا أنه طرح ما كان قبل ذلك وتناساه لكي يكون الذكر لأيامه وسيرته فضبط ذلك ضبطاً شديداً إلى يزدجرد بن شهريار آخر ملوكهم فكانت الأمم السالفة والأجيال الخالية والقرون الماضية تؤرخ الكوائن العظام والأحداث الكبار عندها وتملك الملوك فمن أقر بالطوفان من الأمم كانوا يؤرخون به ثم أرخوا العام بتبلبل الألسن بإقليم بابل فأما المجوس فلإنكارهم كون الطوفان المستولي على جميع الأرض أرخوا بكيومرت كلشاه معنى ذلك ملك الطين وهو عندهم آدم أبو البشر واصل النسل وإليه ترجع الفرس في أنسابها على ما قدمنا فيما سلف من هذا الكتاب في آخر ملوك الفرس وطبقاتهم مجملاً وفي غيره من كتبنا مفسراً مشروحاً ثم أرخوا بقتل داريوس الملك وظهور الإسكندر الملك ثم أرخوا بظهور أردشير بن بابك وجمعه الملك واستيلاءه على ملوك الطوائف ثم أرخوا بملك يزدجرد بن شهريار بن كسرى أبرويز بن هرمز بن خسرو أنوشروان بن قباذ الملك وهو آخر ملوكهم إلى هذا الوقت وأول سنته يوم الثلاثاء وكان سوالف اليونانيين والروم والنبط وهم السيانيون يؤرخون بملوك لهم متقدمين وكوائن وأحداث ثم أرخوا بسني الإسكندر بن فيلبس فاستقر تاريخهم على ذلك إلى هذا الوقت وقد تنوزع في مبدأ تاريخ الإسكندر فمنهم من رأى أن ذلك من ابتداء ملكه منهم من رأى ذلك من أول السنة السابعة من ملكه حين خرج عن بلاد مقدونية إلى ناحية المغرب وغيرها من بلاد الإفرنجية ومنهم من رأى ذلك من غلبته على إقليم بابل وقتله دارا بن دارا ومنهم من رأى أن ذلك من وفاته ومن آدم إلى ملك الإسكندر خمسة آلاف سنة ومائة وإحدى وثمانون سنة وقيل خمسة آلاف سنة ومائتان وتسع وخمسون سنة وبين الطوفان إلى ملكه ألفان وتسعمائة وخمس وعشرون سنة ومن فالغ بن عابر إلى ملكه ألفان وثلاثمائة وأربع وتسعون سنة ومن إبراهيم إلى ملكه ألف وثمانمائة وثلاث وخمسون سنة ومن خروج بني إسرائيل من مصر إلى ملكه ألف وثلاثمائة وست وأربعون سنة ومن ملك داود إلى ملكه سبعمائة سنة وأربعون سنة ومن سبي بخت نصر لبني إسرائيل إلى ملكه مائتان وثلاث وستون سنة وقد ذهب قوم إلى أن من ابتداء ملك بخت نصر إلى غلبة الإسكندر لدارا أربعمائة سنة وتسع وعشرون سنة وثلاثمائة سنة وخمسون يوماً ومنهم من رأى أن ذلك مائتا سنة وتسع وثمانون سنة ومن الإسكندر إلى صلب إيشوع عند النصارى ثلاثمائة واثنتان وأربعون سنة ومن الإسكندر إلى هذا الوقت الذي ألف أبو الحسن علي بن الحسين المسعودي فيه الكتاب وهو سنة 345 للهجرة ألف سنة ومائتا سنة وثمان وستون سنة وكانت القبط بأرض مصر تؤرخ بأول السنة التي ملك فيها بخت نصر وأولها يوم الأربعاء وقد ذكر ذلك أبطلميوس في كتاب المجسطي فأما تاريخهم في زيجه فمن أول سني فيلبس أبي الإسكندر وأول سنته يوم الأحد وبين تاريخ فيلبس وتاريخ الإسكندر اثنتا عشرة سنة وعشرة أشهر وعشرون يوماً ثم أرخوا بملك دقلطيانوس الملك الملك القبطي لعظم ملكه واستقر تاريخهم على ذلك إلى هذه الغاية وبين تاريخ بخت نصر وتاريخ يزدجرد ألف وثلاثمائة وتسع وسبعون سنة فارسية وثلاثة أشهر وبين تأريخ فيلبس وتاريخ يزدجرد تسعمائة وخمس وخمسون سنة وثلاثة أشهر وبين تأريخ الإسكندر وتأريخ يزدجرد تسعمائة سنة واثنتان وأربعون سنة من سني الروم ومائتان وخمسون يوماً وبين تأريخ الهجرة وتاريخ يزدجرد من الأيام ثلاثة آلاف يوم وستمائة وأربعون وعشرون يوماً فأول هذه التواريخ تاريخ بخت نصر ثم تأريخ فيلبس ثم تاريخ الهجرة ثم تاريخ يزدجرد‏.‏

كذلك ذكر محمد بن كثير الفرغاني في كتاب الثلاثين فصلاً الذي فيه ناكر جوامع المجسطي لأبطلميوس وغيره من أصحاب الزيجة من النجوم والقوانين كالفزاري ويحيى بن أبي منصور والخوارزمي وحبش وما شاء الله ومحمد بن خالد المروروذي وأبي معشر جعفر بن محمد البلخي وابن الفرخان الطبري والحسن بن الخطيب ومحمد بن جابر البتاني والنيريزي وغيرهم ممن تقدم وتأخر وكان الإسرائليون يؤرخون بوفاة إسرائل وهو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ثم بخروجهم من أرض مصر مع موسى وكان دخول إسرائل إلى مصر وولده الأسباط وأولادهم وهم سبعون نفساً حين قصدوا يوسف فكان مقامهم بمصر إلى أن خرجوا عنها مع موسى إلى التيه مائتي سنة وسبع عشرة سنة يتداولهم ملوك مصر وأحصاهم موسى وهارون في التيه فكان من يصلح لحمل السلاح والقتال منهم من ابن عشرين سنة فصاعداً سوى سبط لاوي ستمائة ألف وثلاثة آلاف وخمسمائة وخمسة وخمسين نفساً وأحصى سبط لاوي بن يعقوب وهو ابن سبطها من ابن شهر إلى فوق فكانوا اثنين وعشرين ألفاً ومائتين وثلاثة وسبعين فجميع بني إسرائيل على ما أحصينا ستمائة وخمسة وعشرون ألفاً وثمانمائة وثلاثة وعشرون ألفاً وكانت وفاة موسى وهارون وأختهما مريم بالتيه في سنة واحدة لتمام أربعين سنة لهم في التيه وهم لأم واحدة اسمها أماحية ماتت أولاً مريم أختهما في ستة أيام من نيسان ولها مائة وسبع وعشرون سنة ومات هارون في أول يوم من آب ودفن في جبل هور وهو واحد الأطوار الأربعة المقدم ذكرها وله مائة وثلاث وعشرون سنة ومات موسى في سبعة أيام من آذار في أرض موآب ودفن في الوادي من أرض موآب وله مائة وعشرون سنة وتولى الأمر بعد موسى يوشع بن نون وحارب ملوك الشأم وغيرها واستولى على أكثر البلاد فأقام ست سنين ومات وله مائة وعشرون سنة ودبر الأمر بعده فينخاس بن إلعازر بن هارون وما كان كاهناً الإسرائليون يذكرون أنه النبي الذي تسميه المسلمون الخضر والفرس تزعم أن الخضر هو أحد السبعة بني منوشهر على ما قدمنا فيما سلف من هذا الكتاب ولأهل الشرائع وغيرهم من أصحاب التأويل في وقتنا هذا فيه كلام طويل يطول ذكره فكان من إبراهيم إلى خروج بني إسرائل من مصر خمسمائة وسبع وستون سنة ومن الطوفان إلى خروجهم ثلاثة آلاف وثمانمائة وخمس وثلاثون سنة ثم أرخوا بإخراب بخت نصر أورشلم وهي بيت المقدس وسبيهم إلى بابل وكان من ابتداء ملك بخت نصر إلى ظهور الإسرائليين وسبيهم إحدى وثلاثون سنة وأربعة وثلاثون يوماً ومن ملك داود إلى سبي بابل أربعمائة سنة وسبع وسبعون سنة ومن خروج بني إسرائيل من مصر إلى سبيهم ألف وثلاث وثمانون سنة ومن إبراهيم إلى سبيهم ألف وخمسمائة وتسعون سنة ومن فالغ بن عابر إلى سبيهم ألفان ومائة وإحدى وثلاثون سنة ومن الطوفان إلى سبيهم ألفان وستمائة اثنتان وستون ومن آدم إلى سبيهم أربعة آلاف وتسعمائة وثماني عشرة سنة وكان مقامهم ببابل سبعين سنة إلى أن ردهم بهمن بن أسفنديار بن كيبشتاسب بن كيلهراسب إلى أورشلم وأمر بعمارتهما والإسرائليون وكثير من الناس يسمونه كورش وغير ذلك من الكوائن التي كانت فيهم وأما الهند والصين ومن وافقهم من الأمم قال بقدم العالم وأزليته فيأبون كون الطوفان عم جميع الأرض وما ذكر من تبلبل الألسن وتواريخهم موضوعة على سوالف ملوكهم وأحداث عظيمة كانت في أيامهم يبعد علينا في هذا الكتاب وصفها وقد قدمنا فيما سلف من كتبنا شرحها وبأعالي الهند ومشارقها البيت المعروف ببيت الذهب بدء تاريخهم بعد ظهور البدّ الأول فيهم وهو اثنا عشر ألف عام مضروبة في ثلاثة وثلاثين ألف عام وهو البيت الذي دخله الإسكندر بن فيلبس الملك حين قتل فور ملكهم وكتب بخبره إلى أرسطاطاليس وما شاهد منه من العجائب فأجابه أرسطاطاليس بالرسالة المعروفة برسائل بيت الذهب التي أولها‏:‏ إلى الإسكندر ملك ملوك الأمم من عبده أرسطاطاليس أما بعد كتبت إلى تذكر الذي أعجبك من بنيان بيت الذهب بالهند وما ذكرت أنك رأيت فيه من العجائب والبنيان الشامخ المزخرف بأنواع الجوهر وما يونق العين من الذهب الأحمر حتى قد بهر العيون منظرهوسار في الأمم ذكره وقد كتبت إليه أيها الملك أصونك لمعرفتك بالأمور السابقة العليا والأرضية السفلى أن يعجبك شيء صنعته الأيدي المنينة بالحكمة في الأيام القصيرة ومدة الزمان اليسيرة ولكني أرضى لك أيها الملك أن ترفع نظرك إلى ما فوقك وتحتك وعن يمينك وشمالك من السماء والصخور والجبال والبحور وما في ذلك من العجائب الغامضة الظاهر والبنيان الشامخ الذي لا ينحته الحديد ولا يثلمه المجانيق ولا يعمله الأجساد المخلخلة الضعيفة في المدة المنقطعة - ثم مر في إتمام الرسالة في وصف الأرضين والبحار والأفلاك والنجوم والآثار العلوية وغير ذلك مما يحدث في الجو مما قد ذكرناه مع رسائل أرسطاطاليس إلى الإسكندر في السياسات الديانية والملوكية وغير ذلك في كتاب فنون المعارف وما جرى في الدهور السوالف وهذه الرسالة مستفيضة في أيدي الناس وكانت العرب قبل ظهور الإسلام تؤرخ بتواريخ كثيرة فأما حمير وكهلان ابنا سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان بأرض اليمن فإنهم كانوا يؤرخون بمولكهم السالفة من التبابعة وغيرهم كملك تبع الأكبر وتبع الأصغر وتبع ذي الأذعار وتبع ذي المنار وأرخوا بنار صوران وهي نار كانت تظهر ببعض الحرار من أقاصي بلاد اليمن أحدها حر والتي يقال إن الحبرين الذين قدم بهما تبع أبو كرب من المدينة إلى ايمن حاكماً أهل اليمن إليها وكان ذلك سبب تهود كثير من أهل اليمن وذلك مشهور في أخبارهم وأرخوا بعث شعيب بن مهذم وملك ذي نواس وملك جذيمة بن مالك بن فهم بن غنم الدوسي وملك آل أبي شمر من غسان بالشام وأرخوا بعام السيل وهو سيل العرم الذي ذكره الله عز وجل في القرآن وخروج عمرو بن مزيقياء بن عامر ماء السماء بن حارثة الغطريف بن امرئ القيس ابن ثعلبة ابن مازن بن الأزد من مأرب جماع غسان في قومه من الأزد وغيرهم من كهلان وحمير وتفرقهم في البلاد ثم أرخوا بظهور الحبشة على اليمن ثم غلبت الفرس على اليمن وإزالة الحبشة إلى أن جاء الله بالإسلام فأما تاريخ ولد معد بن عدنان فإنهم كانوا يؤرخهم بغلبة جرهم العماليق وإخراجهم إياهم عن الحرم ثم أرخوا بهلاك جرهم في الحرم‏.‏

ثم أرخوا بعد ذلك بعام التفرق وهو العام الذي افترق فيه ولد نزار بن معد بن عدنان من ربيعة ومضر وإياد وأنمار على ما في ذلك من التنازع في نسبة إياد وأنمار إلى نزار على ما قدمنا فيما سلف من هذا الكتاب ثم أرخوا بعد ذلك بعام الفساد وهو عام وقع فيها بين أحياء العرب وقبائلها التنازع والحروب فاستبدلوا الديار وتنقلوا في المساكن وأرخوا بحجة الغدر وكانت قبل الإسلام بنحو من مائة وخمسين سنة وكان سببها أن أوساً وحصبة بني أزنم بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار خرجا في عدة من قومهما حجاجاً فلقوا بأنصاب الحرم أناساً من اليمن معهم كسوة للكعبة ومال للسدنة حمل ذلك بعض ملوكم فقتلوهم وأخذوا ما كان معهم ودخلوا مكة فلما كان في أيام منى فشا الخبر بالناس فوثب بهم وتحزب معهم قوم فانتبهت الناس بعضهم بعضاً فسميت حجة الغدر وأرخوا بالحرب بين ابني وائل بكر وثغلب المعروفة بحرب البسوس وكان الذي هاجها قتل جساس بن مرة بن ذهل بن شيبان بن ثعلبة بن عكابة بن صعب ابن علي بن بكر بن وائل كليباً وهو وائل بن ربيعة بن الحارث لقتل كليب ناقة يقال لها سراب لجار لخالة جساس وهي البسوس ابنة المنقذ التميمية ثم السعدية من قضاعة من بني حرم وأرخوا بحرب بني بغيض بن ريث بن غطفان المعروفة بحرب داحس والغبراء وذلك قبل البعث بنحو من ستين سنة وبحرب الأوس والخزرج ابني حارث بن ثعلبة وهو العنقاء وإنما سمي العنقاء لطول عنقه ابن عمر وهومزيقياء بن عامر ماء السماء بن حارثة الغطريف ابن امرئ القيس البطريق بن ثعلبة البهلوان بن مازن بن الأزد وهو درّ ابن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان وهما أخوان لأب ولأم نسبا إلى أمهما قيلة بنت جفنة بن عتبة بن عمرو ونساب قضاعة يذكرون أنها قيلة بنت كاهل بن عذرة بن سعد بن زيد بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة وأرخوا بعام الخنان وهو عام شمل أكثر الناس فيه الخنان قال النابغة الجعدي فمن يك سائلاً عني فإني من الفتيان في عام الخنان وذهب أبو جعفر محمد بن حبيب في آخرين إلى أنه سمي عام الخنان أن بني عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر هوازن كانت لهم وقعة مع بعض العرب فلم يصل بعضهم إلى بعض من كثرة الحديد فقال قائل يا بني عامر خنوهم بالسيوف فلقب ذلك عام الخنان قال المسعودي‏:‏ وكانت كل قبيلة من قبائل العرب تؤرخ بيوم من أيامها المشهورة في حروبها فكانت بكر وتغلب ابنا وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار تؤرخ بعام التحالق من إلى حرب البسوس أيام حروبهم المنسوبات وفزارة وعبس ابنا بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان ابن مضر بن نزار يؤرخون بيوم الجبلة وهو اليوم الذي ظهرت فيه عبس على فزارة وقتل حذيفة وحمل ابنا يدر وغيرهما وبنو عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن يؤرخون بيوم شعب جبلة وكان قبل الإسلام بنيف وأربعين سنة بين بني عامر وأحلافها من عبس وبين من سار إليهم من تميم وعليهم حاجب ولقيط ابنا زرارة بن عدس بن زيد ابن عبد الله بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد بن مناة بن تميم بن مر ابن أد بن طابخة بن إلياس وهو خندف بن مضر بن نزار ومن عاضدهما من اليمن مع ابني الجون الكنديين المالكيين وفي ذلك يقول جرير ولم تشهد الجونين والشعب ذا الصفا وشدات قيس يوم دير الجماجم وإياد تؤرخ بخروجها عن تهامة وحروبها مع فارس الحرب المعروفة بوقعة دير الجماجم وبتلك الوقعة سمي الدير لكثرة الجماجم على السواد وذلك في ملك سابور بن سابور ذي الأكتاف ملك فارس وفي ذلك يقول الشاعر شاعر إياد على رغم سابور بن سابور أصبحت قباب إياد حولها الخيل والنعم وقد ذكر ذلك أبو داود الإيادي فقال ألا أبلغ خزاعة أهل مر وإخوتهم كنانة عن إياد تركنا دارهم لما ثرونا وكنا أهلها من عهد عاد وأسهلنا وسهل الأرض يخشى بجرد الخيل تعشقه القياد فنازعنا بني الأحرار حتى علفنا الخيل من خضر السواد ثم أرخوا بخروجهم عن العراق إلى الجزيرة حين أوقع بهم سابور وكان لقيط الإيادي كتب إليهم وهو في حبس الملك ينذرهم ويحذرهم بقصيدته التي أولها‏:‏ يا دار عمرة من تذكارها الجزعا هيجت لي الهم والأحزان والوجعا ألا تخافون قوماً لا أبا لكم أمسوا إليكم كأمثال الدبا سرعا ولذلك قال مرة بن محكان السعدي حين وجه معاوية عامر بن الحضرمي إلى البصرة فنزل في تميم يدعوهم إلى أخذ البصرة والوثوب بزياد خليفة عبد الله بن عباس على البصرة وقد سار ابن عباس إلى علي عليه السلام بالكوفة فقال مرة مخوفاً لقومه زاجراً لهم‏:‏ قلت والليل مطبق بغراه أرقب النجم لا أحس رقادا إن حياً يرى الصلاح فساداً ويرى الغي في الأمور رشادا لقريب من الهلاك كما أه لك سابور بالعراق إيادا في كلمة طويلة ثم أرخوا بعام الانتقال من ديارهم إلى بلد الروم وآخر من دخل منهم إلى هناك من أرض الجزيرة والموصل في خلافة عمر بن الخطاب نحو من أربعين ألفاً كانوا عل النصرانية وأنفوا من الجزية حين أخذوا بها وتميم تؤرخ بعام الكلال وهي الحرب التي كانت بين ربيعة وتميم وأسد وخزيمة تؤرخ بعام مأقط الذي قتلوا فيه الملك حجر بن الحارث بن عمرو آكل المرار الكندي أبا امرئ القيس وفي ذلك يقول امرؤ القيس حين بلغه قتله أرقت لبرق بليل أهل يلوح سناه بأعلى الجبل بنو أسد قتلوا ربهم ألا كل شيء سواه جلل والأوس والخزرج ابنا حارثة تؤرخ بعام الآطام لما تحاربوا على الآطام وهي الحصون والقصور وذهب الأصمعي في آخرين من أهل اللغة إلى أنها الدور المسطحة السقوف وكانت الأوس والخزرج تتمنع بها فأخربت في أيام عثمان بن عفان ورسومها باقية إلى وقتنا هذا‏.‏

قال قيس بن الخصيم بن عدي بن عمرو بن سواد ابن ظفر الأوسي يذكر الآطام في قصيدته التي يذكر فيها يوم بعاث وهو أحد الأيام المشهورة بين الأوس والخزرج أولها‏:‏ أتعرف رسماً كاطراد المذاهب لعمرة وحشا غير موقف راكب وقال‏:‏ فلولا ذرى الآطام قد تعلمونه وترك الفضاشور كتم في الكواعب وطئ وحليمة واسمه مالك بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد ابن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان تؤرخ بعام الفساد وهي الحرب التي كانت بين الغوث بن طيء وجديلة بن سعد بن فطرة بن طيء بجبلي طيء أجأ وسلمى وما يلي ذلك من السهل دامت هذه الحرب بينهم ثلاثين ومائة سنة وفيها ولد - فيما ذكرك الهيثم بن عدي الطائي - حاتم بن عبد الله بن سعد بن الحشرج بن امرئ القيس بن عدي ابن أبي أخزم بن ربيعة بن جرول بن ثعل ابن عمرو بن الغوث بن طيء وأوس بن حارثة بن لأم بن طريف من بني مازن ابن جندب بن خارجة بن سعد بن فطرة بن طيء وزيد الخيل بن مهلهل بن زيد ابن منهب بن عبد رضا بن المختلس بن ثوب بن كنانة بن عدي بن مالك بن نابل بن نبهان بن عمرو بن الغوث بن طيء وقد ذكرنا حاتماً وكان اعتزل حربهم حين تطاولت ولحق ببني بدر بن عمرو بن جوية بن لوذان بن ثعلبة بن عدي بن فزارة فنزل عليهم وقال يمدحهم إن كنت كارهة لعيشتنا هاتي فحلي في بني بدر جاورتهم زمن الفساد فنع م الحي في السراء والضر وفي تلك الحروب تفرق السلميون من طيء فلحقوا بحاضر قنسرين من أعمال حلب إلى هذا الوقت وخالطوا الأسباط وغيرهم وتزوجوا فيهم ومن لزم جبلي طيء أجأ وسلمى يقال لهم الأجئيون ولم يزل من وصفنا من قبائل العرب يؤرخون بالأمور المشهورة من موت رؤسائهم ووقائع وحروب كانت بينهم إلى أن جاء الله بالإسلام فأجمع المسلمون على التأريخ من الهجرة على ما نحن ذاكروه فيما يرد من هذا الكتاب في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد ذهب قوم من أصحاب السير والآثار إلى أن آدم لما هبط من الجنة وانتشر ولده أرخ بنوه من هبوطه فكان ذلك هو التاريخ حتى بعث الله نوحاً فأرخوا من مبعثه حتى كان الطوفان فكان التاريخ منه إلى نار إبراهيم فلما كثر ولد إبراهيم افترقوا فأرخ بنو إسحاق من نار إبراهيم إلى يوسف ومن يوسف إلى مبعث موسى ومن مبعث موسى إلى ملك داود وسليمان وما كان بعد ذلك من الكوائن والأحداث وأرخ بنو إسماعيل من بناء البيت حين بناه إبراهيم وإسماعيل فلم يزالوا يؤرخون بذلك حتى تفرقت معد وكان كلما خرج قوم من تهامة أرخوا بمخرجهم ومن بقي بتهامة من بني إسماعيل يؤرخون بخروج آخر من خرج منها من قضاعة وهم سعد ونهد وجهينة بنو زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة حتى مات كعب بن لؤي فأرخوا من موته إلى الفيل ومنهم من كان يؤرخ بيوم الفجار بين قريش وسائر كنانة بن لؤي وبين قيس ابن عيلان لما قتل البراض بن قيس بن رافع الضمري ضمرة بكر بن عبد مناة بن كنانة عروة الرحال بن جعفر بن كلاب واحتوى على اللطيمة التي كانت معه للنعمان بن المنذر فاقتتلت قيس وكنانة قتالاً شديداً فكان الظفر لكنانة على قيس وحضر هذا الفجار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وله عشرون سنة وإنما سمي الفجار لأنهم تفاجروا فيها واقتتلوا في الأشهر الحرم وهو من أيام العرب المذكورة وفي ذلك يقول خداش بن زهير العامري وقال في ذلك أبو أسماء الضريبة النصري نصر بن سعد بن بكر بن هوازن نحن كنا الملوك من أهل نجد وحماة الذمار عند الدمار ومنعنا الحجاز في كل حي فمنعنا الفجار يوم الفجار والفجار أربعة الأول يعرف بفجار الرجل وهو بدر بن معشر الضمري والثاني الفجار المعروف بالرباح وهو القرد والثالث فجار المرأة القيسية والرابع فجار البراض وهو أعظمها ومنهم من كان يؤرخ بحلف الفضول وكان بعد منصرفهم من الفجار لأجل رجل من بني زبيد وجماع بني زبيد منبه بن صعب بن سعد العشيرة بن مالك بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان باع سلعة له من العاص بن وائل السهمي فدافعه الثمن فلما آيس علا على أبي قبيس فنادى يا للرجال لمظلوم بضاعته ببطن ملة نائي الحي والنفر إن الحرام لمن تمت حرامته ولا حرام لثوبي لابس الغدر فاجتمعت بنو هاشم ونبو المطلب ابني عبد مناف وزهرة بن كلاب وتيم بن مرة وبنو الحارث بن فهر فتحالفوا في دار عبد الله بن جدعان التيمي ليكونن مع المظلوم حتى ينصف فسمته قريش حلف الفضول وفي ذلك يقول الزبير بن عبد المطلب بن هاشم نسميه الفضول إذا عقدنا يعز به الغريب لدى الجوار ويعلم من حوالي البيت أنا أباة الضيم نهجر كل عار قال النبي صلّى الله عليه وسلّم بعد مهاجرته إلى المدينة ‏"‏ لقد شهدت حلفاً في دار عبد الله بن جدعان لو دعيت إلى مثله لأجبت وما زاده الإسلام إلا تشديداً ‏"‏ فأما حلف المطيبين فهو قبل حلف الفضول وكان سببه فيما ذكر أبو عبيدة معمر بن المثنى في كتاب مناقب قريش وفضائلها أن قصي بن كلاب بن مرة ابن كعب بن لؤي كان جعل إلى ابنه عبد الدار الحجابة ودار الندوة واللواء وجعل إلى ابنه عبد مناف السقاية والرفادة فلما كثرت بنو عبد مناف في الجاهلية قالوا نحن أحق باللواء والحجابة والندوة من بني عبد الدار فتفرقت عند ذلك قريش وعبد الله بن جدعان التيمي حي وقال بعضهم والله لا يرد أمر قصي فنصرت بنو مخزوم وجمح وسهم وعدي بني عبد الدار وتحالفوا عند الكعبة فسموا الأحلاف فلما رأت ذلك بنو عبد مناف حالفوا بني أسد بن عبد العزى وبني زهرة بن كلاب وبني تيم بن مرة وبني الحارث بن فهر فتحالفوا في دار عبد الله بن جدعان وجاءهم عبد الله بآنية فيها طيب فغمسوا أيديهم فيها ويقال أخرج إليهم الطيب إحدى بنات عبد المطلب ويقال إنهم وضعوا الطيب في المسجد وغمسوا أيديهم فيه ثم مسحوا الكعبة فسموا أولئك الأحلاف وهؤلاء المطيبين‏.‏

قال عمر بن أبي ربيعة المخزومي ويقال عبيد الله بن قيس الرقيات يذكر المطيبين والأحلاف ولها في المطيبين جدود ثم نالت ذوائب الأحلاف إنها بين عامر بن لؤي حين تدعى وبين عبد مناف وبعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقريش تؤرخ بموت هشام بن المغيرة المخزومي والفيل وقد ذكر للإبراهيميين تواريخ كثيرة منها التاريخ بوفاة إبراهيم ثم بوفاة إسحاق وفي الإسماعيليين من كان يؤرخ بوفاة إسماعيل وغير ذلك مما قدمنا فيما سلف من كتبنا شرحه فكان من آدم إلى الطوفان فيما ذكر أهل الكتب ألفان ومائتان واثنتان وأربعون سنة ومن الطوفان إلى تبلبل الألسن بأرض بابل ستمائة وسبعون سنة ومن تبلبل الألسن إلى ولادة إبراهيم أربعمائة وإحدى عشرة سنة ومن ولادة إبراهيم إلى وفات موسى عليه السلام خمسمائة وخمس وأربعون سنة ومن وفاة موسى إلى ابتداء ملك بخت نصر تسعمائة وثمان وسبعون سنة ومائتاً وستة وأربعون يوماً ومن ابتداء ملكه إلى أن ظهر على بني إسرائيل فسباهم إلى بابل إحدى وثلاثون سنة وأربعة وثلاثون يوماً فمن وفاة موسى إلى سبي بخت نصر لبني إسرائيل ألف سنة وتسع سنين واثنان وثلاثون يوماً ومن سبي بخت نصر لبني إسرائيل إلى ولادة المسيح عليه السلام تسعمائة سنة وثمان سنين وسبعة وثلاثون يوماً ومن ولادة المسيح إلى هجرة نبينا صلّى الله عليه وسلّم ستمائة سنة وتسع وعشرون سنة وثلاثمائة وأحد وستون يوماً فذلك سبعة آلاف سنة وثلاثمائة وثلاث وعشرون سنة وأحد عشر شهراً وعشرة أيام وذهب آخرون من أصحاب التواريخ إلى أن من آدم إلى ابتداء ملك بخت نصر أربعة آلاف وثمانمائة سنة وأربعين وسنة ومائتين وثمانية وأربعين يوماً بالسنين الفارسية التي هي ثلاثمائة وخمسة وستون يوماً وربع ومن ابتداء ملك بخت نصر إلى غلبة الإسكندر لدارا بن دارا أربعمائة وتسع وعشرين سنة وثلاثمائة وتسعة وعشرون يوماً ومن غلبة الإسكندر إلى قيام أردشير بن بابك خمسمائة سنة وإحدى عشرة سنة ومائتان وستة وستون يوماً وهذه هي مدة ملوك الطوائف عند هؤلاء ومن قيام أردشير إلى ابتداء تاريخ يزدجرد أربعمائة وسبع وثلاثون سنة وثمانية وعشرون يوماً فمن آدم عليه السلام إلى ابتداء ملك يزدجرد ستة آلاف سنة ومائتان وخمس وعشرون سنة وثلاثمائة وثمانية وثلاثون يوماً الباقي إلى تمام سبعة آلاف سنة للعالم سبعمائة سنة وأربع وسبعون سنة وستة وعشرون يوماً وجملة السنين من هبوط آدم عليه السلام من الجنة إلى هجرة النبي صلّى الله عليه وسلّم على ما توجبه التوراة التي نقلها لأبطلميوس الملك إلى اللغة اليونانية اثنان وسبعون حبراً من أحبار اليهود بالإسكندرية من أرض مصر وأجمعوا على صحتها على ما قدمنا فيما سلف من هذا الكتاب في أخبار ملوك اليونانيين ستة آلاف سنة ومائتان وست عشرة سنة وبين هذه السنين وما يوجبه حساب التوراة العبرانية تفاوت كثير وكذلك نسخة التوراة التي بأيدي السامرة وهم الكوشان والدوستان من اليهود بأرض فلسطين والأردن بينها وبين هاتين أيضاً تفاوت بعيد وقد ذكر عدة من مستأخري أصحاب السير والتواريخ أن من آدم إلى نوح ألف سنة ومائتي سنة ومن نوح إلى إبراهيم ألف سنة ومائة سنة وثلاثاً وأربعين سنة ومن إبراهيم إلى موسى خمسمائة سنة وخمساً وسبعين سنة ومن موسى إلى داود خمسمائة سنة وتسعاً وسبعين سنة ومن وفاة موسى إلى ملك الإسكندر ألف سنة وأربعمائة سنة وسبع سنين ومن داود إلى عيسى ألف سنة وثلاثاً وخمسين سنة ومن عيسى إلى نبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم ستمائة سنة قال المسعودي‏:‏ وفيما ذكرنا تنازع كثير بين الأسلاف والأخلاف من الأمم ومن عني بتواريخ الأنبياء والملوك قد أتينا على جميع ما قيل في ذلك في كتاب مروج الذهب ومعادن الجوهر وفي كتاب فنون المعارف وما جرى في الدهور السوالف وفي كتاب الاستذكار لما جرى في سالف فلنذكر سني الأمم الشمسية والقمرية وشهورها وكبسها ونسيئها لاتصال ذلك بما ذكرناه والحاجة الداعية إلى معرفته ذكر جمل من الكلام في سني الأمم وشهورها وكبسها ونسيئها وما اتصل بذلك جميع ما تؤرخ به الأمم من السنين شمسية على ذلك عمل سائرهم من السريانيين والفرس واليونانيين والروم والقبط والهند والصين إلا العرب والإسرائليين ومقدار سنتهم الشمسية من الزمان ثلاثمائة وخمسة وستون يوماً وربع يوم وعلى التحقيق وجزء من ثلاثمائة جزء من يوم ومراعاتهم في ذلك ابتداء سير الشمس من نقطة الاعتدال الربيعي إلى عودها إليها وهم مجمعون على أن شهور سنتهم اثنا عشر شهراً وإن كانت عدتها مختلفة ولذلك احتاجوا إلى كبس أيام لتتمة مدة السنة فشهور اليونانيين والروم التي غلب عليها تسمية السريانيين إياها لموافقتهم إياهم عليها أولها تشرين الأول وهو أحد وثلاثون يوماً تشرين الثاني ثلاثون يوماً كانون الأول أحد وثلاثون يوماً وليلة خمسو عشرين منه ليلة الميلاد كانون الثاني أحد وثلاثون يوماً شباط ثمانية وعشرون يوماً وربع يعد ثلاث سنين متواليات ثمانية وعشرون يوماً وفي السنة الرابعة تجبر الكسور فيعد تسعة وعشرون يوماً فتسمى تلك السنة كبيسة بسبب زيادة ذلك اليوم آذار أحد وثلاثون يوماً نيسان ثلاثون يوماً أيار أحد وثلاثون يوماً حزيران ثلاثون يوماً تموز أحد وثلاثون يوماً آب أحد وثلاثون يوماً أيلول ثلاثون يوماً فلذلك ثلاثمائة وخمسة وستون يوماً وربع يوم فأما شهور الفرس فأولها فرودين ماه أول يوم منه النوروز معنى ذلك بالفارسية اليوم الجديد لأن الجديد في لغتهم نو واليوم روز وهو أعظم الأعياد عندهم أردبهشت ماه خرداد ماه تير ماه مرداد ماه شهرير ماه مهر ماه يوم السادس عشر منه المهرجان وبينه وبين النوروز ستة أشهر ونصف تكون أياماً مائة وخمسة وتسعين يوماً آبان ماه يوم السادس والعشرين منه تدخل الأيام العشرة المعروفة بالفرودخان منها تمام آبان ماه وخمسة كبيسة لا تعد من الشهور تسمى الأندرجاهان آذر ماه أول يوم منه ركوب الكوسج بالعراق وغيرها من أرض فارس وذلك من رسوم الفرس في أيام ملوكها ديماه بهمن ماه أسفندرامذ ماه عدد كل شهر منها ثلاثون يوماً وهي هرمز بهمن أردبهشت شهرير أسفندارمذ خرداد مرداد ديباذر آذر آبان خور ماه تير جوش ديبمهر مهر أسروش رشن فروردين بهرام رام باد ديبدين دين أرد أشتاد أسمان زامياد مارسفند أنيران وليس يتكرر كتكرار أيام الجمعة للعرب فتصير جملتها مع الخمسة أيام الغير معدودة ثلاثمائة وخمسة وستين يوماً وكانوا يؤرخون ربع اليوم الذي يجب لتمام السنة إلى مائة وعشرين سنة فيكبسون حينئذ شهراً وإنما امتنعوا من كبس يوم في أربع سنين لأمور ذكروها منها اعتقادهم في أيام شهورهم أنها أسماء ملائكة وكراهيتهم أن يزيدوا فيها ما ليس منها وغير ذلك من الوجوه مما تقدم شرحها فيما ذكرنا من كتبنا ولما زال ملكهم وفنيت ملتهم وذهب من كان يكبس ذلك ربع اليوم من ملوكهم انتقلت أيامهم فدار نورزهم في مدة مائتين وخمسين سنة إلى أيام المعتضد نحواً من شهرين وتقدم لذلك استفتاح الخراج عن الوقت الذي يحصل فيه غلال الناس فرده المعتضد في سنة 282 للهجرة نحواً من مدة شهرين وقرره على الشهور السريانية لئلا يعود دورانه إذ كانت محفوظة بالكبس لا يتغير أوقاتها فجعله في اليوم الحادي عشر من حزيران ونسب إليه فقيل النوروز المعتضدي وبقي النوروز الفارسي يدور في سائر الفصول الأربعة فيتقدم في كل مائة وعشرين سنة شهراً وإنما كان موقعه في أول الفصل الصيفي والمهرجان في أول الفصل الشتوي فأما القبط فيوافقون الفرس في عدد أيام شهورهم وهي ثلاثون يوماً أول شهورهم توت أول يوم منه النوروز القبطي بأرض مصر بابه هتور كيهك طوبه أمشير برمهات برموده بشنس بؤونه أبيب مسرى وفي آخر مسى تكبس الخمسة أيام المسماة بالقبطية إبغمنا وتعرف باللواحق يفعلون ذلك ثلاث سنين متواليات فإذا كانت السنة الرابعة جعلوا الكبيسة ستة أيام لتنجبر الأرباع من اليوم الواجبة لكل سنة فتحصل أيام سنتهم على الحقيقة ثلاثمائة وخمسة وستين يوماً وربع يوم فأما العرب فإنها تراعي رؤية الأهلة فتجعل حساب سنتها عليها شهورهم شهر ثلاثون يوماً وشهر تسعة وعشرون يوماً فيكون ستة أشهر من السنة تامة وستة ناقصة وأيام سنتهم ثلاثمائة وأربعة وخمسون يوماً بالحساب المطلق وهو الجليل فأما على التحصيل والتدقيق فإن عدد هذه الأيام للسنة تزيد في كل ثلاثين سنة أحد عشر يوماً تكون حصة السنة والواحدة من ذلك خمساً وسدس يوم فتكون أيام السنة بالحقيقة ثلاثمائة وأربعة وخمسين يوماً وخمساً وسدس يوم والسنة التي ينجبر فيها هذا الكسر تكون شهورها سبعة تامة وخمسة ناقصة وهذا العدد لأيام الشهور هو بالحساب المصحح من اجتماع الشمس والقمر بمسيرهما الأوسط فأما برؤية الأهلة فإنه يختلف بزيادة ونقصان فيمكن أن تكون شهور متوالية تامة وشهور متوالية ناقصة ولا يكاد يتفق في كل وقت أن يكون أول الحساب بالشهور والرؤية يوماً واحداً إلا أنهما يتساويان وأيام العرب التي تعد بها من غروب الشمس وهي الأيام السبعة التي أولها الأحد ابتداؤه من غروب الشمس من يوم السبت وآخره غروبها في يوم الأحد وكذلك سائر الأيام وإنما جعلوا ابتداء كل يوم بليلته من وقت غروب الشمس لأجل أنها تعد أيام الشهر من وقت رؤية الهلال ورؤية الهلال تكون عند غروب الشمس فأما من سمينا من الأمم ممن لا يراعي في الشهور رؤية الأهلة فإن النهار عندهم قبل الليل وابتداء كل يوم بليلته من وقت طلوع الشمس إلى وقت طلوعها من الغد قال المسعودي‏:‏ وقد كان العرب في الجاهلية تنسئ لأجل اختلاف الزمان والمواقيت وما بين السنة الشمسية والقمرية وفيه أنزل ‏"‏ إنما النسئ زيادة في الكفر ‏"‏ وكان المتولون لذلك النسأة من بني الحارث بن كنانة بن مالك ابن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر أولهم أبو ثمامة جنادة بن عوف بن أمية وكان يعرف بالقلمس وبه سمي من بعده من النسأة فقيل القلامس وكانوا ينسئون في كل ثلاث سنين شهراً يسقطونه من السنة ويسمون الشهر الذي يليه باسمه ويجعلون يوم التروية ويوم عرفة ويوم النحر الثامن والتاسع والعاشر من ذلك الشهر فيكون ذلك دائراً في سائر شهور السنة موجباً وكانوا بذلك مقاربين لغيرهم من الأمم في مدة زمان سنتهم الشمسية‏.‏

فلم يزالوا على ذلك إلى أن ظهر الإسلام وفتح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مكة فوجه أبا بكر في السنة التاسعة من الهجرة على الموسم فحج بالناس وهي آخر حجة حجها المشركون وكان الحج في تلك السنة يوم العاشر من ذي القعدة ونزلت آيات من سورة براءة فبعث بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مع علي بن أبي طالب عليه السلام وأمره بقراءتها على الناس بمنى وكانت الأشهر التي قال ‏"‏ فسيحوا في الأرض أربعة أشهر ‏"‏ عشرين يوماً من ذي القعدة وذا الحجة والمحرم وصفر وعشرة أيام من شهر ربيع الأول وأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علياً عليه السلام بأداء أربع كلمات‏:‏ ‏"‏ أن لا يحجن بعد هذا العام مشرك ولا يطوفن بالبيت عريان ولا يدخل الجنة إلا مسلم ومن كانت بينه وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مدة فأجله إلى مدته ‏"‏ فلما كان من قابل حج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في ذي الحجة وهي حجة الوداع وخطب الناس فقال ‏"‏ ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض السنة اثنا عشر شهراً منها أربعة حرم‏:‏ ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر بين جمادى وشعبان ‏"‏ هذه حكاية لفظه عليه السلام ولو عد عاد هذه الأشهر فبدأ بالمحرم ثم رجب وذي القعدة وذي الحجة لكان ذلك جائزاً وإنما ذكرنا هذا لأن في الناس من يجعلها من سنتين والنبي صلّى فأما الإسرائليون‏:‏ فالأشمعث منهم وهم الجمهور الأعظم يراعون رؤية الأهلة وعدد الأشهر‏.‏

وحصر أيامها ويسمون ذلك العبّور‏.‏

ورأيت الأقباط بأرض مصر يسمونه الأفقطي ومراعاتهم ذلك لأجل عيد الفصح‏.‏

ثم تنازعوا بعد ذلك فقال فريق من العنانية وأصحاب عنان بن نبادود وكان من رؤساء الجوالى بأرض العراق والقرائية أنهم لا يوقعون الفصح حتى يتكامل إدراك السنبل ويسمونه أبيب ومنهم من يقول بالفصح عند إدراك البعض منه لا يراعي الكل قال المسعودي‏:‏ وقد ذكرنا فيما سلف من كتبنا تنازع من ذكرنا من الأمم في السنين الشمسية والقمرية وشهورها‏.‏

وكيفية كبس الأمم ونسيئها والعلة في ذلك على الشرح والإيضاح والخلاف بين أبرخس ومتبعيه وأبطلميوس القلوذي في أرصادهما وطلبهما مقدار سنة الشمس وما ذهب إليه أبرخس من أن ذلك يعلم بوجهين أحدهما مقارنة الشمس للكواكب الثابتة التي عودتها إليها فإن مدة ذلك من الزمان ثلاثمائة وخمسة وستون يوماً وأقل من ربع يوم‏.‏

وما ذهب إليه أبطلميوس من أن الغرض والغاية في علم زمان سنة الشمس حركتها واتبداؤها من نقطة الفلك الخارج المائل حتى يعود إلى تلك النقطة وأن مدة ذلك من الزمان ثلاثمائة وخمسة وستون يوماً وربع يوم إلا جزءٌ من ثلاثمائة جزء من يوم علىما قلنا وعليه العمل الأعم ومقدار المدة بين رصد أبرخس ورصد أبطلميوس بمدينة الإسكندرية من بلاد مصر وما بين رصد أبطلميوس ورصد المأمون الشماسية من بلاد دمشق من أرض الشأم في سنة 217 للهجرة واول يوم من فروردين ماه سنة 201 ليزدجرد وعليه حل الزيج الممتحن‏.‏

وما ذهبت إلهي الهند في مدة أيام الدنيا وتنازعهم في عدتها وأن الأصل في ذلك عدة أيام السندهند تفسير ذلك دهر الدهور وهو الكتاب الجامع لعلم الأفلاك والنجوم والحساب وغير ذلك من أمر العالم وعنه ناضل أبطلميوس وشابهه بأرصاد أبرخس وأرصاده وكيف عملت الهند كتاب الأرجبهز من كتاب السند هند الأرجبهز جزء من ألف جزء من السند هند وكتاب الأركند من كتاب الأرجبهز وأن الله عز وجل بلطيف حكمته وعظيم قدرته خلق الكواكب على قدر أوجاتها وجوزهراتها في أول دقيقة من الحمل ثم سيرها جميعاً فتحركت جملة واحدة في طرفة عين على سيرها المعلوم فكانت حركتها أول يوم من الدنيا ولا تزال تسبح في دور الفلك فإذا اجتمعت في موضع منه أثرت في العالم تأثيراً عظيماً مذكراً بدبور واحتراق وغير ذلك وكثيراً ما لا تجتمع كلها وإن اجتمعت كلها لم تجتمع أوجاتها وجوزهراتها إلى الموضع الذي فهي خلقت بهيئتها الأولى وذلك انقضاء الدنيا عندهم فإن جميع أيام السند هند مذ أول ما دارت الكواكب إلى أن تجتمع جميعها من السنين أربعة آلاف ألف ألف وثلاثمائة ألف ألف وعشرون ألف ألف سنة شمسية على مدار الشمس السنة منها ثلاثمائة وخمسة وستون يوماً وربع يوم وخمس ساعة وجزء من أربعمائة جزء من ساعة وما في بيت الذهب بأعالي أرض الهند ومشارقها وهو الذي دخله الإسكندر الملك من حساب ظهور البد الأول بأرضهم وتاريخه أن ذلك اثنا عشر ألف ألف عام مضروبة في ستة وثلاثين ألف عام على ما قدمنا فيما سلف من هذا الكتاب وتنازع حكماء الأمم من الفلكية وغيرهم في أوج الشمس وهو أعلى موضع في فلكها وجوزهرها من تحتها مقابل له وكذلك لك كوكب من السبعة وعند كثير منهم في هذا الوقت وهو سنة 345 للهجرة أنه في ست درج ونصف من الجوزاء أيضاً على ما ذكرنا من الدرج فيها وعلى مذهب السند هند في سبع عشرة درجة وخمس وخمسين دقيقة وأربع عشرة ثانية من الجوزاء كذلك ذكر في زيج محمد بن موسى الخوارزمي وزيج حبش بن عبد الله السند هند لأن لحبش ثلاث زيجات المشهور عند الناس زيج الممتحن والثاني السند هند ولم يخالف الخوارزمي فيه إلا بدقائق والثالث الشاه فإذا قيل زيج حبش مطلقاً فإنما يراد به الممتحن والذي حكاه عن أبطلميوس فهو قانون ثاون وثاون عن المجسطي أخذ وذكر أصحاب زيج الشاه أنه في عشرين درجة من الجوزاء وذكر أصحاب زيج الممتحن أنه كان في السنة التي قبس فيها وهي سنة 217 على ما قدمنا في هذا الباب في اثنتين وعشرين درجة وتسع وثلاثين دقيقة من الجوزاء وذهب ما شاء الله المنجم إلى أن أوج الشمس هو عضادة عدل الله بها الفلك وهذا أحد ما عنت به وما ذهب إليه الهند وغيرها من أن الأوج يتحرك في كل مائة سنة درجة واحدة فيكون مقامه في كل برج ثلاثة آلاف سنةوقطعه الفلك في ستة وثلاثين ألف سنة وكيفية تنقله ودورانه إذا انتقل عن البروج الشمالية إلى الجنوبية انتقلت العمارة فصار الشمال جنوباً والجنوب شمالاً والعامر غامراً والغامر عامراً‏.‏

وأنه لا خلاف بين حكماء الهند والكلدانيين والمصريين واليونانيين والروم وغيرهم وبين منجمي عصرنا وفلكية وقتنا أنه في برج الجوزاء وإنما التنازع بينهم في ثباته وتنقله على ما ذكرنا ولثابت بن قرة الصابئ الحراني رسالة في نصرة رأي أبرخس على أن لأوج الشمس حركة مخالفاً لقول أبطلميوس وقد امتحن هذه الرسالة عدة من أهل الهندسة فوجدوا الأوج في أربع وعشرين درجة ودقائق كثيرة تكون من أول الحمل أربعاً وستين درجة ودقائق كثيرة‏.‏

وهذا خلاف لما ذكر أصحاب رصد الممتحن لأنهم أجمعوا - إلا محمد بن جابر البتاني الحراني - على أن بعد الأوج من رأس الحمل اثنتان وثمانون درجة وتسع وأربعون دقيقة وذكرنا ما ذهب إليه هؤلاء من أن السبب في كسوف القمر أن ضوءه إنما هو شيء يقبله من الشمس فمتى تهيأ أن يكون ظل الأرض فيما بين الشمس والقمر فستره أو ستر بعضه انكسف أو انكسف بعضه على قدر ما يستر منه وأن السبب في كسوف الشمس أن القمر يستر الشمس عنا ولذلك صار كسوف القمر إنما يعرض في وقت مقابلته الشمس وكسوف الشمس إنما يعرض في وقت الاجتماع وأن أقل ما يكون بين الكسوفين الشمسية والقمرية جميعاً ستة أشهر قمرية وذلك على الأمر الأوسط وأنه قد يمكن أن يكون بين كسوفين شمسيتين أو قمريتين خمسة أشهر وذلك عند اتفاق شهور عظمى‏.‏

ويمكن أن يكون بين كسوفين ستة أشهر وذلك عند اتفاق شهور صغرى‏.‏

وأنه لا يمكن أن تنكسف الشمس في شهر واحد مرتين في موضع واحد ولا في موضعين مختلفين من الأقاليم الشمالية أبداً وقد يمكن ذلك في موضعين مختلفين عن خط الاستواء أحدهما في الأقاليم الشمالية والآخر في الناحية الجنوبية وما ذهبوا إليه من أنه إذا كان الصيف في ناحية الشمال كان الشتاء في ناحية الجنوب وإذا كان الصيف في ناحية الجنوب كان الشتاء في ناحية الشمال ولأجل ذلك صار نيل مصر زائداً في الشهور الصيفية لترادف الشتاء والأنداء بسائر أرض الأحابش من النوبة والزغاوة والزنج إلى جبل القمر الذي وراء خط الاستواء ومبدأ منبع عيون النيل منه ومصب السيول إليه على ما قدمنا فيما سلف من هذا الكتاب عند ذكرنا البحار والأنهار الكبار‏.‏

وكذلك الشتاء بأرض الهند سبيله سبيل شتاء أرض الأحابش واليمن على ما شاهدناه بأرض اللار الكبيرة من أرض الهند وغيرها مما ذكرنا من البلاد وذلك في سنتي 303 و 304 ويسمى هناك اليسارة‏.‏

والعلة في ذلك عند من ذكرنا كون الشمس وتنقلها في البروج من الشمال إلى الجنوب ومن الجنوب إلى الشمال إذا قربت من موضع كان الصيف وإذا بعدت عنه كان الشتاء وأنه إذا كان في مكان نهار كان في ضده ليل وإذا كان في موضع ليل كان في ضده نهار وأن نصف الأرض أبداً نهار ونصفها أبداً ليل والشمس حيث كانت من جميع نواحي الأرض الأربع فإنها إنما تضيء على نصف الأرض سواء ربع أمامها وربع خلفها وربع عن يمينها وربع عن شمالها وذلك تمام نصف الأرض والنصف الآخر ستره أن تضيء فيه كثافة الأرض وتدويرها فيكون في ذلك النصف الذي لا تضيء فيه الليل لأن الليل ظل الأرض إذا ستر بعها عن بعض ضوء وما ذهبوا إليه من أن أقواماً يشتون مرتين ويصيفون مرتين في سنة واحدة وهم أهل خط الاستواء الذي يقسم مجرى الشمس بنصفين يأخذ من الشرق حتى يعود إلى الشرق والمدن التي على هذا الخط فزان وأزين وعدن والشحر وغير ذلك من البلاد‏.‏

وأن الشمس إذا صارت إلى أول برج الحمل كان الحر عندهم مفرطاً جداً وإذا صارت إلى السرطان زالت عن سمت رءوسهم أربعاً وعشرين درجة التي هي الميل فشتوا ثم تعود الشمس إليهم إذا صارت إلى أول الميزان فيصيفون ثانية ويشتد الحر عليهم فإذا هي زالت إلى ناحية الربع الجنوبي وصارت إلى أول الجدي شتوا ثانية وأنهم على هذا الترتيب يصيفون مرتين ويشتون مرتين غير أن شتاءهم أبداً قريب من صيفهم وأنه قد يكون في بعض المواضع مقدار شهر من الصيف نهار كله لا ليل فيه‏.‏

وشهر من الشتاء ليل لا نهار فيه‏.‏

وتكون العشرة أشهر الباقية من السنة كل يوم وليلة أربعاً وعشرين ساعة‏.‏

وهي المواضع التي يرتفع فهي القطب عن الآفاق سبعة وستين جزء وربعاً فهناك يكون مدار ما بين النصف من الجوزاء إلى النصف من السرطان ظاهراً فوق الأرض أبداً وما بين النصف من القوس إلى نصف الجدي غائباً أبداً وما قالوه في المواضع التي يطول نهارها ويقصر ليلها حتى يكون الساعة والساعتين والثلاث وما قالوه في الساعات المعتدلة وهي التي تكون كل ساعة منها بمقدار ما يدور الفلك خمس عشرة درجة‏.‏

والساعات الزمانية وهي المعوجة التي تكون كل واحدة منها مقدار نصف سدس النهار ونصف سدس الليل وما ذهبوا إليه من تأثيرات الكواكب السبعة من النيرين والخمسة وخاصتها في الأديان والبقاع والحيوان والنبات وغير ذلك‏.‏

وفيما خالف بين لغات الناس وألوانهم في المعمور الأرض والعلة في مطر الإقليم الأول في القيظ دون سائر البلاد‏.‏

وما قالوه في العلة التي صار لها كثير من المواضع لا تمطر كفسطاط مصر وغيرها إلا اليسير وأن السبب في ذلك‏:‏ أن جزء بلاد مصر من جهة شمالها عادم الجبال الشوامخ وأكثر ما يسيل إليه من جهة بحر الحبشة يحجز بينه وبين مصر جبال البجة كالمقطم وما يليه فيمنع ذلك البخار فيسيل إلى جهة الشام والعراق وليس في سمت مصر من جهة الجنوب بحر فما يسيل إلى سمتها من البخار أقل مما يسيل من جهة بحر الحبشة إلى الشأم والعراق‏.‏

والنيل يعين حركة الهواء من الجنوب إلى الشمال بجريته فينقاد سيلان تلك الأبخرة إلى الشمال في بلاد كلها حارة لقلة العرض ومجاورة البحار أما بحر الحبشة فمن جهة شرقها وأما بحر الإسكندرية وهو بحر الروم فمن جهة شمالها فيحمي جوها فلا يغلظ البخار السائل غليه ولا يجتمع حتى يخالط بحر الإسكندرية ويمتزج به ويجوزان معاً جهة الشمال من بلاد أورفي وإذا صارا إلى الموضع الذي يعرض لهما فيه الانحصار ببرد الجو وما يحيط به من الجبال سالت تلك الأبخرة هنالك فصارت أمطاراً في تلك المواضع الشمالية فلهذه العلة عدم أهل مصر المطر‏.‏

ولأن النيل بزيادته يفيض على بلاد مصر فإذا نقص ترادّ إلى قعره فقبلت تلك الأرض حسياً كثيراً لكثرة إقامة الماء عليها فيكثر ما يرتفع من أرضها في كل يوم من البخار بحر الشمس فإذا جاء الليل يبرد حرها بالإضافة إلى قدر ما كان عليه عند شروق الشمس فاستحال البخار ماء فسال بالليل سيلاناً ضعيفاً لعدمه التكاثف والانحصار فصار طلاً عائداً إلى الأرض ولعلل غير ذلك ذكروها ويجوز أن يكون ذلك لعلل استأثر الله عز وجل بعلمها ولم يظهر أحداً من خلقه عليها لما هو عز وجل أعلم به من عمارة البلاد وصلاح العباد قال أبو الحسن علي بن الحسين المسعودي‏:‏ ولما ذكرنا شرح طويل والكلام فيه كثير ومن ضمن الاختصار لم يجز له الإكثار‏.‏

وإنما نذكر في هذا الكتاب طرفاً من كل باب ليستدل الناظر فيه بما رسمناه على المراد مما فإذ ذكرنا جامع التأريخ من آدم إلى نبينا صلّى الله عليه وسلّم وسني الأمم وشهورها ونسيئها وكبائسها وما اتصل بذلك فلنذكر الآن التأريخ من مولد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى مبعثه وهجرته ووفاته ومن كان بعده من الخلفاء والملوك إلى هذا الوقت‏.‏

ذكر التأريخ من مولد رسول الله ومبعثه وهجرته ومغازيه وسراياه وسواريه وكتابه ووفاته وتأريخ الخلفاء والملوك بعده وأيامهم وكتابهم ووزرائهم وحجابهم وقضاتهم ونقوش خواتيمهم وما كان من الحوادث العظيمة الديانية والملوكية في أيامهم وحصر تواريخهم إلى سنة 345 في خلافة المطيع قد ذكرنا فيما سلف من كتبنا تواتر النذارات وما ظهر في العالم من الآيات المؤذنة بمولد نبينا صلّى الله عليه وسلّم ونبوته وما أيد الله به عند مبعثه من المعجزات والدلائل والعلامات مثل إنبائه بالكائنات قبل كونها وإطعامه الخلق الكثير من الزاد القليل وهطل الغمام ونطق الذراع وما أتى به من القرآن المعجز الذي عجز الخلق أن يأتوا بمثله مع تحديه إياهم وتقريعهم بالعجز عنه‏.‏

فأغنى ذلك عن إعادة شيء منه في هذا الكتاب لشرطنا فيه على أنفسنا الاختصار والإيجاز ونحن بادئون بحصر التاريخ من مولده صلّى الله عليه وسلّم كان مولد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن غالب بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد وإنما لم نتجاوز بنسبه صلّى الله عليه وسلّم معداً لنهيه عن ذلك بقوله ‏"‏ كذب النسابون ‏"‏ وإذ كان التنازع بين معد وإسماعيل بن إبراهيم يكثر ويختلف في العدد والأسماء والعمل الموروث الذي يقطع عليه ولا ينازع فيه اتصال نسبه إلى معد بن عدنان وقد استقصينا شرح ذلك وما قيل فيه من الوجوه في كتاب الاستذكار لما جرى في سالف الأعصار وأتينا فيما سلف من هذا الكتاب على ما اشتهر واستفاض من اتصال معد بإسماعيل بن إبراهيم وما بين إبراهيم وآدم من الآباء على ما ذكره أهل الكتاب وأهل النسب ويكنى أبا القاسم وأمه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب - عام الفيل لثمان خلون من شهر ربيع الأول وقيل لعشر وهو اليوم الثامن من ديماه سنة 1317 من بدء ملك بخت نصر‏.‏

واليوم العشرون من نيسان سنة 882 للإسكندر بن فيلبس الملك وسنة 39 من ملك أنوشروان خسروا بن قباذ بن فيروز وذلك بعد قدوم أصحاب الفيل مكة بخمسة وستين يوماً وقيل أقل من ذلك‏.‏

وكان قدومهم مكة يوم الأحد لخمس ليال خلون من المحرم‏.‏

وتوفي أبوه عبد الله بن عبدالمطلب وهو عليه الصلاة والسلام حمل‏.‏

وقل بل مات بعد مولده بشهر وقيل بل في السنة الثانية من مولده وقيل بعد ثمانية وعشرين شهراً من مولده وأنه كان خرج في تجارة إلىالشأم وتوفي بالمدينة وله خمس وعشرون سنة ودفع عليه الصلاة والسلام إلى حليمة بنت أبي ذؤيب وهو عبد الله بن الحارث ابن شجنة بن جابر بن رزام بن ناصرة بن قصية بن نصر بن سعد بن بكر ابن هوازن لترضعه فأرضعته بلبن بنيها عبد الله والشيماء وأنيسة بني الحارث بن عبد العزى بن رفاعة بن ملاّن بن ناصرة بن قصية بن نصر بن سعد بن بكر والشيماء التي كان النبي صلّى الله عليه وسلّم عضها على كتفها وهي تحمله في حال صباه فلما هزمت هوازن بحنين واحتوى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على أموالهم وذراريهم سارت إليه الشيماء فاستعفته وذكرته وأرته أثر العضة فعرفها عليه الصلاة والسلام وكان ذلك أحد أسباب رد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وسائر بني هاشم وبني عبد المطلب بن هاشم بن مناف ما صار إليهم من ذلك السبي ورد أصحابه ما صار إليهم منه حين رأوا ذلك منه عليه الصلاة والسلام‏.‏

وكان مقامه صلّى الله عليه وسلّم مسترضعاً فيهم أربع سنين فلما كان في السنة الخامسة ردته حليمة إلى أمه آمنة فلما كان في السنة السابعة من مولده أخرجته أمه إلى أخوال جده عبد المطلب بن هاشم من بني عدي بن النجار بالمدينة يزورهم وأم عبد المطلب سلمى ابنة زيد بن عمرو بن لبيد بن حرام ابن خداش بن جندب بن عدي بن النجار فتوفيت أمه عليه الصلاة والسلام بالأبواء وقدمت به أم أيمن وهي أم أسامة بن زيد بن حارثة إلى مكة وفي السنة الثامنة من مولده توفي جده عبد المطلب فضمه أبو طالب إليه فكان في حجره حتى بلغ ثلاث عشرة سنة فخرج معه في تجارة إلى الشام فنظر إليه بحيرا الراهب فبشر بنبوته وأخبر بعلاماته وحضر صلّى الله عليه وسلّم حرب الفجار وحلف الفضول على ما قدمنا فيما سلف من هذا الكتاب وله عشرون سنة ولما كمل خمساً وعشرين سنة خرج في تجارة لخديجة بنت خويلد بنت أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب إلى الشأم مع غلامها ميسرة فنظر نسطور الراهب إلى إظلال الغمامة إياه وظهور الآيات فيه فبشر بنبوته ولما عاد الغلام أخبر خديجة بذلك فأرسلت إليه في تزويجها فتزوجها فلما كمل خمساً وثلاثين سنة شهد بنيان الكعبة وتراضت به قريش في وضع الحجر الأسود حين كثر من قبائلهم التنازع في ذلك فوضعه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في موضعه فلما بلغ أربعين سنة بعثه الله عز وجل إلى الناس كافة يوم الاثنين لعشر خلون من شهر ربيع الأول وهو اليوم الثالث والعشرون من آبان ماه سنة 1357 من ملك بخت نصر واليوم الثامن من شباط سنة 921 للإسكندر الملك وله صلّى الله عليه وسلّم يومئذ أربعون سنة وتنوزع في أول من آمن به من الذكور بعد إجماعهم على أن أول من آمن به من الإناث خديجة‏.‏

فقال فريق منهم أول ذكر آمن به علي بن أبي طالب - هذا قول أهل البيت وشيعتهم وروى ذلك عبد الله بن عباس بن عبد المطلب وجابر بن عبد الله الأنصاري وزيد بن أرقم في آخرين وتنوزع في سنه يوم أسلم فقال فرقة كانت سنه يومئذ خمس عشرة سنة وقال آخرون ثلاث عشرة سنة وقيل إحدى عشرة سنة وقيل تسع وقيل ثمان وقيل سبع وقيل ست وقيل وهذا قول من قصد إزالة فضائله ودفع مناقبه ليجعل إسلامه إسلام طفل صغير وصبي غرير لا يفرق بين الفضل والنقصان ولا يميز بين الشك واليقين ولا يعرف حقاً فيطلبه ولا باطلاً فيجتنبه وسنذكر فيما يرد من هذا الكتاب عند ذكرنا خلافته ووفاته جملاً مما قيل في ذلك وإن كنا قد ذكرناه فيما سلف من كتبنا مفسراً مشروحاً وأتينا على قول كل فريق من هؤلاء وما احتج به لمذهبه وصحح به قوله والكلام بين متكلمي العثمانية والزيدية من معتزلة البغداديين القائلين بإمامة المفضول وغيرهم من البترية وفرق الزيدية والقطعية بالإمامة الاثنا عشرية منهم الذين أصلهم في حصر العدد ما ذكره يم بن قيس الهلالي في كتابه الذي رواه عنه أبان بن أبي عياش أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ‏"‏ أنت واثنا عشر من ولدك أئمة الحق ‏"‏ ولم يرو هذا الخبر غير سليم بن قيس وأن إمامهم المنتظر ظهوره في وقتنا هذا المؤرخ به كتابنا‏:‏ محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب رضوان الله عليهم أجمعين واصحاب النسق منهم القائلون بأن الله عز وجل لا يخلي كل عصر من إمام قائم لله بحق ظاهر ام باطن‏.‏

ولم يقطعوا على عدد محصور ولا وقت معين مفهوم‏.‏

وأن ذاك نص من الله ورسوله على اسم كل إمام وعينه إلى أن يفني الله عز وجل الأرض ومن عليها‏.‏

وإنما سموا القطعية لقطعهم على وفاة موسى بن جعفر وتركهم الوقوف عليه‏.‏

وغيرهم من فرق الشيعة وسائر من قال باختيار الإمام وأن ذلك إلى الأمة أو إلى بعضها - من المعتزلة والمرجئة وفرق الخوارج من الأزارقة والإباضية والصفرية والنجدات وسائر فرق الخوارج إلى هذه الأصناف يرجعون وعنهم يتفرقون والنابة والحشوية وغيرهم من فقهاء الأمصار وقال آخرون‏:‏ إن أول من آمن به عليه الصلاة والسلام من الرجال أبو بكر الصديق عليه السلام روي ذلك عن عمرو بن عبسة وجبير بن نفير وإبراهيم النخعي في آخرين وقال آخرون‏:‏ إن أول من آمن به زيد بن حارثة الكلبي مولاه روي ذلك عن الزهري وعروة بن الزبير وسليمان بن يسار في آخرين وقال آخرون‏:‏ أولهم إسلاماً خباب بن الأرت من بني سعد بن زيد مناة بن تميم وقال آخرون بلال بن حمامة وكان مقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمكة بعد مبعثه ثلاث عشرة سنة وتوفي عمه أبو طالب وله بضع وثمانون سنة وزوجته خديجة بنت خويلد ولها خمس ستون سنة في السنة العاشرة من مبعثه بينهم ثلاثة أيام وقيل أكثر من ذلك وذلك بعد إبطال الصحيفة وخروج بني هاشم بن عبد المطلب من الحصار في الشعب بسنة وستة أشهر وكان مدة مقامهم في الحصار ثلاث سنين وقيل سنتين ونصفاً وقيل سنتين على ما في ذلك من التنازع وفي هذه السنة وهي سنة خمسين من مولده كان خروجه إلى الطائف وفي سنة إحدى وخمسين كان المسرى على ما في ذلك من التنازع بين فرق الأمة في كيفيته ثم هاجر صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة فدخلها يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول وله ثلاث وخمسون سنة وذلك في سنة أربع وثلاثين من ملك كسرى أبرويز وأمر علياً رضي الله عنه بالتخلف بعده ليؤدي عنه ودائع كانت للناس عنده فتخلف بعد خروجه ثلاثة أيام إلى أن أدى ما كان عنده من الودائع ثم لحق به وقد كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمر أصحابه قبل هجرته بالهجرة إلى المدينة فخرجوا أرسالاً فكان أولهم إليها قدوماً أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد ابن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وعامر بن ربيعة وعبد الله بن جحش الأسدي وعمر بن الخطاب وكان أول لواء عقده رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعد قدومه المدينة لحمزة بن عبد المطلب في شهر رمضان لسبعة أشهر من قدومه إليها في ثلاثين راكباً من المهاجرين إلى العيص من بلاد جهينة يعترض عيراً لقريش جاءت من الشأم تريد مكة فلقي أبا جهل عمر بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة ابن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب وهو في ثلاثمائة رجل من أهل مكة فتحاجزوا من غير قتال وفي ذلك يقول حمزة‏:‏ بأمر رسول الله أول خافق عليه لواء لم يكن لاح من قبلي ثم سرية عبيدة بن الحارث إلى رابغ وهي على عشرة أميال من الجحفة لمن أراد من المدينة قديداً وذلك في شوال لثمانية أشهر من قدومه المدينة فلقي أبا سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف على الماء المعروف بأحياء‏.‏

وكان أبو سفيان في مائتين وعبيدة في ستين راكباً من المهاجرين وكان بينهم رمي من غير سل السيوف وكان أول من رمى بسهم في الإسلام سعد بن أبي وقاص مالك بن وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب في هذه السرية وفي ذلك يقول سعد‏:‏ ألا هل أتى رسول الله أني حميت صحابتي بصدور نبلي فما يعتد رام في معد بسهم يا رسول الله قبلي وبنى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعائشة ابنة أبي بكر في شوال وهي بنت سنين وقيل دون ذلك وكان تزوجها بمكة وهي ابنة سبع وقيل ست ثم سرية سعد بن أبي وقاص في ذي القعدة على تسعة أشهر من مهاجرته في عشرين رجلاً إلى الخرار وهو من الجحفة قريب من خم يعترض عيراً لقريش فوافى الموضع وقد سبقه العير‏.‏

وفي هذه السنة ولد عبد الله بن الزبير بن العوام وكان أول مولود ولد في دار الهجرة للمهاجرين والنعمان بن بشير الأنصار وهو أيضاً أول مولود ولد للأنصار بعد الهجرة‏.‏

وفيها كانت وفاة أبي أمامة أسعد بن زرارة الخزرجي من بني غنم بن مالك ابن النجار في شوال وفيها كان إسلام عبد الله بن سلام‏.‏

 ذكر السنة الثانية من الهجرة

سنة الأمر لأنه أمر فيها بالقتال ثم غزوة غزاها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في صفر في المهاجرين خاصة حتى بلغ ودّان والأبواء وبينهما ثمانية أميال يعترض عير قريش‏.‏

فرجع ولم يلق كيداً فكانت غيبته خمس عشرة ليلة واستخلف على المدينة سعد بن عبادة ابن دليم الأنصاري ثم الخزرجي وفي هذا ثم غزوته صلّى الله عليه وسلّم بواط في شهر ربيع الأول في مائتين يعترض عيراً لقريش وكانت ألفين وخمسمائة بعير فيها مائة رجل من قريش منهم أمية ابن خلف الجحمي ففاتته العير ورجع ولم يلق كيداً وبواط جبل من جبال جهينة من ناحية ذي خشب من طريق الشأم وبين بواط والمدينة ثمانية برد وقيل أقل من ذلك واستخلف على المدينة سعد ابن معاذ ثم غزوته صلّى الله عليه وسلّم في هذا الشهر أيضاً في طلب كرز بن جابر الفهري وكان أغار على سرح المدينة من ناحية العقيق فبلغ إلى سفوان وهي من بدر ففاته كرز بالسرح فرجع واستخلف على المدينة مولاه زيد بن حارثة ابن شراحيل الكلبي ثم الكناني - كنانةبنعوفبن عذرة بن زيد اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة - وفي الناس من يسمي هذه الغزاة بدراً الأولى ثم غزوته صلّى الله عليه وسلّم في جمادى الأولى من هذه السنة - وقيل جمادى الآخرة - ذا العشيرة يعترض عيراً لقريش ذاهبة إلى الشام ففاتته وهي العير التي كان القتال ببدر بسببها في رجعتها وذو العشيرة بناحية ينبع وبين المدينة وينبع تسعة برد واستخلف على المدينة أبا سلمة بن عبد وقيل إن خروجه في طلب كرز بعد غزوته ذا العشيرة والأشهر ما ذكرناه وولد النعمان بن بشير الأنصاري من بني الحارث بن الخزرج وهو أول مولود ولد للأنصار بعد الهجرة ثم سرية عبد الله بن جحش من بني دودان بن أسد بن خزيمة في رجب في أحد عشر رجلاً وقيل ثمانية إلى نخلة - وهو الموضع المعروف في هذا الوقت ببستان بن عامر على جادة العراق - فلقوا عير قريش فقتلوا ابن الحضرمي وأسروا منهم نفراً واستاقوا العير وقسم عبد الله بن جحش الغنيمة وأخرج منها الخمس قبل أن ينزل القرآن بذلك فعزله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى جاء الإذن من الله فأنفذه وكان أول فيء قسمه وفي هذه الغزاة فيما ذكر سمي عبد الله بن جحش أمير المؤمنين وهو أول من سمي بذلك وقالت قريش استحل محمد القتل في الشهر الحرام يعنون رجب وندم أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لذلك لأنه قال لهم ‏"‏ ما أمرتكم بقتال في الأشهر الحرم ‏"‏ فأنزل الله عز وجل في ذلك ‏"‏ يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه - الآية ‏"‏ وفرض صوم شهر رمضان في شعبان من هذه السنة وصرفت القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة في صلاة الظهر من يوم الثلاثاء للنصف من شعبان فاستدار النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو راكع في الركعة الثانية ودارت الصفوف خلفه فسمى ذلك المسجد مسجد القبلتين وقيل وفيها أرى عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصاري من بني زيد مناة بن الحارث بن الخزرج الأذان في النوم وورد الوحي بذلك فعمل به ثم غزوة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بدراص العظمى وهي بدر القتال وبين بدر والمدينة ثمانية برد وميلان وكان خروجه لثلاث خلون من شهر رمضان في ثلاثمائة وأحد عشر رجلاً من المهاجرين والأنصار عدة المهاجرين أربعة وسبعون رجلاً وباقيهم من الأنصار‏.‏

وقيل ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً وقيل وأربعة عشر رجلاً‏.‏

الخبر المستفيض أنه كان في ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً فوقع التنازع فيما زاد على الثلاثمائة والعشرة وهو البضع وكانت قريش تسعمائة وخمسين مقاتلاً منهم ستمائة دارع معهم من الخيل مائة فرس وكانت الوقعة يوم الجمعة صبيحة‏.‏

لتسعة عشر يوماً من شهر رمضان كذلك روى عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن عبد الله بن مسعود وخارجة ابن زيد الأنصاري ثم الخزرجي عن أبيه زيد وقد روى علقمة بن زيد عن ابن مسعود غير هذا وهو أنها كانت صبيحة اليوم السابع عشر من شهر رمضان كذلك روى عن خارجة بن زيد عن أبيه زيد أيضاً وكذلك روى عن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما فيما ذكر أبو عبد الرحمن السلمي وإلى هذا القول ذهب محمد بن عمر الواقدي صاحب المغازي والسير فقتل من قريش سبعون رجلاً وأسر سبعون رجلاً كذلك ذكر أحمد ابن منصور الرمادي عن عاصم بن علي عن عكرمة بن عمار قال‏:‏ حدثنا أبو زميل قال حدثني عبد الله بن العباس قال حدثني عمر بن الخطاب قال‏:‏ لما كان يوم بدر التقينا فهزم الله المشركين فقتل منهم سبعون رجلاً وأسر سبعون رجلاً وقيل إن عدة من قتل يوم بدر من قريش وحلفائهم سبعة وأربعون رجلاً والأسرى تسعة وأربعون رجلاً وقيل إن عدة القتلى منهم يومئذ خمسة وأربعون رجلاً والأسرى مثل ذلك رجالاً واستشهد من المسلمين أربعة عشر رجلاً قال المسعودي‏:‏ وقسم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما أفاء الله عليه لكل رجل سهماً وللفرس سهمين وضرب لثمانية نفر بأسهمهم لم يشهدوا القتال وهم‏:‏ عثمان بن عفان تخلف عن بدر لمرض رقية بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فضرب له بسهمه‏.‏

فقال يا رسول الله وأجري قال ‏"‏ وأجرك ‏"‏ ومنهم طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب يجتمع مع أبي بكر الصديق عليه السلام في عمرو بن كعب بن سعد وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى بن رباح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب يجتمع مع عمر بن الخطاب في نفيل بن عبد العزى‏.‏

وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعثهما لما خرج من المدينة يتحسسان أخبار العير فعادا بعد انقضاء الحرب وقيل إنهما كانا بالشأم في تجارة لهما فقدما بعد رجوع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من بدر فضرب لهما بسهميهما فقالا يا رسول الله وأجرنا قال ‏"‏ وأجركما على الله ‏"‏ - والأول أشهر وعليه العمل والحارث بن الصمة من بني مالك بن النجار بن ثعلبة بن عمرو بن حارثة ابن الخزرج - وخوات بن جبير بن ثعلبة بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس - والحارث بن حاطب - وعاصم بن عدي الأنصاريان - وأبو لبابة بشير ابن عبد المنذر الأنصاري ثم الأوسي‏.‏

وكان استخلفه على المدينة وما ذكرنا من أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قسم للفرس سهمين لفارسه سهماً باتفاق من سائر فقهاء الأمصار وغيرهم إلا أبا حنيفة النعمان بن ثابت فإنه قال بسهم للفرس سهماً واعتل أصحاب أبي حنيفة لصحة قوله بأحاديث رووها عن أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأبي موسى الأشعري‏.‏

وغيرهم وإنما ذكرنا ذلك الخلاف للخلاف الواقع بينهم في الخبر‏.‏

وكانت غيبة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى أن عاد إلى المدينة تسعة عشر يوماً ودخلها لثمان بقين من شهر رمضان وكان استخلف عليها ابن أمر مكتوم الضرير وهو عمرو بن قيس من بني عامر بن لؤي بن غالب‏.‏

وكانت وفاة أبي لهب عبد العزى بن عبد المطلب عم النبي صلّى الله عليه وسلّم بمكة في اليوم الذي ورد فيه خبر وقعة بدر ثم سرية عمير بن عدي بن خرشة الأوسي ثم الخطمي إلى عصماء ابنة مروان من بني أمية بن بدر وكانت تؤذي المسلمين وتحرض عليهم أعداءهم فقتلها عمير وفي هذه السنة أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بإخراج زكاة الفطر ثم سرية سالم بن عمير الأنصاري إلى أبي عفك شيخ من بني عمرو بن عوف وكان يحرض على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقتله في شوال من هذه السنة‏.‏

ثم غزوة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم للنصف من شوال إلى بني قينقاع من اليهود وكانوا أربعمائة فحصرهم إلى هلال ذي القعدة فنزلوا على حكمه فاستوهبهم منه عبد الله بن أبي سلول - وكانوا حلفاء للخزرج - فأجلاهم إلى أذرعات من أرض الشأم وغنم أموالهم وأخذ الخمس وهو أول خمس خمسه وفرق الأربعة أخماس على أصحابه‏.‏

وقيل إن فعله ذلك كان ببدر‏.‏

وكانت استخلف على المدينة أبا لبابة بن عبد المنذر الخزرجي ثم غزوة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المعروفة بغزوة السويق خرج في ذي الحجة في طلب أبي سفيان صخر بن حرب وكان أقبل في مائتي راكب من أهل مكة ليبر نذره أن لا يمس النساء ولا الطيب حتى يثأل بأهل بدر فصار إلى العريض فقتل رجلاً من الأنصار وحرق أبياتاً هنالك‏.‏

فلما بلغه خروج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه في طلبه جعل وأصحابه يلقون جرب السويق تخففاً فسميت غزوة السويق وكان استخلف على المدينة أبا لبابة بن عبد المنذر أيضاً في هذا الشهر بنى علي بفاطمة عليهما السلام قال المسعودي‏:‏ وقد ذكرنا التنازع في سنها عند ذكر وفاتها في خلافة أبي بكر فيما يرد من هذا الكتاب وضحى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أول أضحى رآه المسلمون وأمر بذلك وخرج إلى وفي هذه السنة كانت الوقعة بذي قار بين بكر بن وائل - وعليهم حنظلة ابن سيار من ولد جذيمة بن سعد بن عجل بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر ابن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمى بن جديلة بن أسد بن ربيعة ابن نزار وقيل إنه من ولد كعب بن سعد بن ضبيعة بن عجل - وبين الجيش الذي بعثه إليهم الملك خسرو أبرويز عليهم الهامرز وذلك لما امتنع هانئ بن قبيصة بن هانئ بن مسعود بن عامر بنعمرو بن أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان ابن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل من تسليم ما كان النعمان ابن المنذر اللخمي ملك الحيرة أودعه إياه من أهله وماله وسلاحه قبل قتل كسرى إياه فاقتتلوا قتالاً شديداً فهزمت الفرس ومن كان معها من العرب من تغلب وعليها بشر بن سوادة التغلبي وطيء وعليها إياس بن قبيصة الطائي وضبة وتميم وعليهما عطارد بن حاجب بن زرارة والنمر وعليها أوس بن الخزرج النمري وبهراء وتنوخ وعليهم من العرب وقتل الهامرز‏.‏

وقيل إن ذلك كان قبل الهجرة وإن أناساً من عبد القيس وحنيفة وغيرهم من بكر بن وائل جاءوا من اليمامة وبلاد البحرين الموسم يريدون المضي إلى بكر لإنجادها فوقف عليهم النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو يعرض نفسه على قبائل العرب ومعه أبو بكر فدعاهم إلى الإيمان بالله وجرى بين أبي بكر ودغفل بن حنظلة بن زيد بن عبدة بن عبد الله بن ربيعة بن عمرو بن شيبان النسابة ما جرى حتى قال النبي صلّى الله عليه وسلّم ‏"‏ إن البلاء موكل بالمنطق ‏"‏ فوعدوا النبي صلّى الله عليه وسلّم إن نصرهم الله على الأعاجم آمنوا به وصدقوا بنبوته فدعا لهم النبي صلّى الله عليه وسلّم بالنصر فلما بلغه ظهورهم على الأعاجم قال ‏"‏ هذا أول يوم انتصفت فيه العرب من العجم وبي نصروا ‏"‏ وهذا يوم تفخر به بكر بن وائل على سائر العرب وفوضل به في مناقبها وذكره من تقدم من الشعراء وتأخر في مدح بكر وذكر أيامها المذكورة ووقائعها المشهورة ولقد أحسن أبو تمام حبيب بن أوس الطائي في تلطفه لذلك في مديحه أبا دلفٍ القاسم بن عيسى بن إدريس بن معقل بن عمير بن شيخ بن معاوية بن خزاعيّ ابن عبد العزى بن دلف بن جشم بن قيس بن سعد بن عجل بن لجيم بن صعبابن علي بن بكر بن وائل ببائيته التي أولها على مثلها من أربعٍ وملاعب فقال إذا افتخرت يوماً تميم بقوسها على الناس أو ما وطدت من مناقب وقد ذكر أبو عبيدة معمر بن المثنى في كتابه المترجم بالديباج - أوفياء العرب فعد - السموأل بن عادياء الغساني والحارث بن ظالم المري وعمير بن سلمى الحنفي‏.‏

ولم يذكر هانئاً وهو أعظم العرب وفاء وأعزهم جواراً وأمنعهم جاراً لأنه عرض نفسه وقومه للحتوف ونعمهم للزوال وحرمهم للسبي ولم يخفر أمانته ولا ضيع وديعته

 ذكر السنة الثالثة من الهجرة

سنة التمحيص ثم غزوة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم للنصف من المحرم في مائتين إلى الماء المعروف بقرقرة الكدر ناحية معدن بني سليم مما يلي جادة العراق إلى مكة وبين المعدن والمدينة ثمانية برد يريد سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة ابن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار وغطفان بن سعد بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار فانجفلوا وغنم من أموالهم ورجع ولم يلق كيداً وكان استخلف على المدينة ابن أم مكتوم ثم سرية محمد بن سلمة الأنصاري من بني حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس في أربعة نفر من الأنصار إلى كعب بن الأشرف اليهودي‏.‏

وكان رجلاً من طيء ثم من بني نبهان بن عمرو بن الغوث بن طيء وأمه من بني النضير من اليهود وكان يشبب بنساء المسلمين‏.‏

ويحرص على النبي صلّى الله عليه وسلّم ويرثي أهل القليب فقتلوه في حصنه للنصف من شهر ربيع الأول ثم غزوة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في جمادى الآخرة بفران‏.‏

وهو معدن بني سليم بناحية الفرع من الحجاز فصار إليه وقد تقدم إليهم خبره فتفرقوا فرج ولم يلق كيداً وكانت غيبته عشرة أيام واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم ثم غزوة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في هذا الشهر في أربعمائة وخمسين إلى نجد يريد غطفان فبلغ الموضع المعروف بذي أمر وراء بطن نخل فانجفلوا من بين يديه فرجع ولم يلق كيداً‏.‏

وكانت غيبته عشرة أيام واستخلف على المدينة عثمان بن عفان ثم سرية مولاه زيد بن حارثة الكلبي مستهل جمادى الآخرة إلى الموضع المعروف بالقردة من أرض نجد بين الرّبذة والغمر وذات عرق من جادة العراق يعترض عيراً لقريش تريد الشأم فظفر بها وبلغ الخمس وعشرين ألفاً وهذا أول بعث خرج فيه زيد أميراً وفي شعبان من هذه السنة تزوج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حفصة ابنة عمر بن الخطاب وكانت قبله عند خنيس بن حذافة بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم وكان بدرياً ولم يشهد مع بدراً مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من بنى سهم غيرهم وللنصف من شهر رمضان كان مولد الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام وفيه تزوج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم زينب بنت خزيمة المعروفة بأم المساكين ثم غزوة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحداً خرج إليها في نحو من ألف رجل فانخذل عنه عبد الله بن أبي بن سلول في نحو من ثلث الناس - وكان أشار على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بترك الخروج إليهم والتمسك بالمدينة‏.‏

وقال ‏"‏ عصاني ولم يقبل رأيي ‏"‏ - وبقي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في نحو من سبعمائة وكانت قريش وكنانة بن خزيمة وأحلافها ثلاثة آلاف فيهم سبعمائة دارع والخيل مائتا فرس ومعهم من النساء خمس عشرة امرأة يحرضنهم فيهن هند ابنة عتبة وعلى الناس أبو سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف فالتقوا يوم السبت لسبع خلون من شوال فاستشهد من المسلمين سبعون رجلاً وقيل خمسة وستون رجلاً أربعة منهم من المهاجرين‏.‏

أحدهم حمزة بن عبد المطلب والباقون من الأنصار‏.‏

وقتل من المشركين ثلاثة وعشرون رجلاً‏.‏

وعاد إلى المدينة وكان قد استخلف عليها ابن أم مكتوم ثم خرج من الغد وهو ثاني يوم أحد في طلب أبي سفيان وأصحابه حتى انتهى إلى الموضع المعروف بحمراء الأسد وهي على عشرة أميال من المدينة على طريق العقيق متياسرة عن ذي الحليفة ففاتته قريش‏.‏

فأقام ثلاثاً ثم عاد وفي الناس من يعد هذه غزاة‏.‏

 ذكر السنة الرابعة من الهجرة

سنة الترفيه ثم سرية أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومي في المحرم إلى قطن وهو جبل بناحية فيد من آخر بلاد نجد ثم سرية عبد الله بن أنيس الجهني جهينة بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم ابن الحاف بن قضاعة إلى سفيان بن خالد الهذلي في المحرم أيضاً فقتله‏.‏

وقيل إن قتله إياه كان في السنة الخامسة من الهجرة ثم بعث المنذر بن عمرو الأنصاري في صفر في سبعين رجلاً من الأنصار إلى أهل نجد ليقرئوهم القرآن ويعلموهم الدين‏.‏

فلما انتهوا إلى الموضع المعروف ببئر معونة على أربع مراحل من المدينة بين أرض بني سليم وأرض بني كلاب أغار عليهم عامر بن الطفيل الكلابي فقتلهم‏.‏

ثم بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح الأنصاري ثم الأوسي ثم صفر في تسعة نفر من أصحابه مع رهط من القارة‏.‏

وهي من الهون بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر‏.‏

وعضل وهي من القارة‏.‏

وكانوا قدموا على النبي صلّى الله عليه وسلّم‏.‏

فسألوه أن يبعث معهم من يفقههم في الدين فبعثهم‏.‏

فلما صاروا بالموضع المعروف بالرجيع وذلك على سبعة أميال من الموضع المعروف بالهدأة والهدأة على سبعة أميال من عسفان غدر بهم فقتلت لحيان بن هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر منهم سبعة نفر وأسر اثنان خبيب بن عدي الأنصاري من بني عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس وزيد ابن الدّثنة فذهب بهما إلى مكة فقتلا هنالك ثم سرية عمرو بن أمية الضمري وسلمة بن أسلم بن حريش إلى أبي سفيان بمكة ليغتالاه فنذر بهما فعاد وقيل إن ذلك في السنة الخامسة من الهجرة ثم غزوة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في شهر ربيع الأول بني النضير من اليهود وقيل إنهم وقريظة من ولد هارون بن عمران وقيل إنهم من جذام وغنما رغبوا عن دين العمالقة وعبادة الأصنام فاتبعوا شريعة موسى وانتقلوا من الشأم إلى الحجاز وكانت منازل النضير بناحية الغرس وما والاها ومقبرة بني خطمة وكانوا موادعين لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثم هموا بالغدر به فنذر بهم فنبذ إليهم فأقاموا على الحرب فسار إليهم فحصرهم خمسة عشر يوماً ثم أجلاهم إلى فدك وخيبر وقبض مالهم من الحلقة والكراع فخرجوا يريدون خيبر وهم يضربون بالدفوف ويزمرون بالمزامير وعلى النساء المصبغات والمعصفرات وحلي الذهب مظهرين بذلك تجلداً وكان فيهم - فيما أخبرنا به عن عمر بن شبة النميري - عروة الصعاليك بن الورد العبسي وكان حليفاً في بني عمرو بن عوف وكان شاعراً مجيداً وهو القائل في كلمة له طويلة‏:‏ دعيني للغنى أسعى فأنى رأيت الناس شرهم الفقير وعاد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة وكان استخلف عليها ابن أم مكتوم قال المسعودي‏:‏ وفي هذا الشهر فيما ذكر حرمت الخمر على ما في ذلك من التنازع في سبب تحريمها‏.‏

وفي شعبان من هذه السنة كان مولد الحسين بن علي بن أبي طالب وفي شوال تزوج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بأم سلمة هند بنت أبي أمية المخزومي وفي هذا الشهر فيما ذكر رجم يهودي ويهودية كانا قد زنيا ثم غزوته صلّى الله عليه وسلّم في ذي القعدة في ألف وخمسمائة والخيل عشرة بدراً لموعد أبي سفيان صخر بن حرب حين أراد الانصراف من أحد فأقام بها ثمانية أيام وتسمى بدر الثالثة وخرج أبو سفيان في قريش من مكة إلى عسفان في ألفين والخيل خمسون ثم لم يقف ورجع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة وكان استخلف عليها عبد الله بن رواحة الأنصاري وكانت غيبته ستة عشر يوماً

 ذكر السنة الخامسة من الهجرة

سنة الأحزاب ثم غزوته صلّى الله عليه وسلّم لعشر خلون من المحرم في ثمانمائة إلى الموضع المعروف بذات الرقاع وهو جبل قريب من النخيل مما يلي السعد والشقرة مختلفة ألوانه فيه بقع حمر وبيض وسود - وقيل إنها إنما سميت غزوة ذات الرقاع لكثرة الرقاع في الرايات فأجفلت العرب من بين يديه ولحقوا برءوس الجبال وبطون الأودية قال المسعودي‏:‏ وفي هذه الغزاة صلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صلاة الخوف لقرب العدو منهم وإشرافهم عليه على ما في ذلك من تنازع في وصفها وكيفيتها بين فقهاء الأمصار وغيرهم من السلف‏.‏

وعاد إلى المدينة وكان استخلف عليها عثمان بن عفان وكانت غيبته خمس عشرة ليلة ثم غزوته صلّى الله عليه وسلّم دومة الجندل وهي أول غزواته للزوم وبين دومة الجندل وبين دمشق خمس ليال وبينها وبين المدينة خمس عشرة ليلة وقيل ثلاث عشرة وكان صاحبها - أكيدر بن عبد الملك الكندي - يدين بالنصرانية وهو في طاعة هرقل ملك الروم وكان يعترض سفر المدينة وتجارهم فبلغ أكيدر مسيرة فهرب وتفرق أهل دومة الجندل وصار إليها فلم يجد بها أحداً فأقام أياماً وعاد إلى المدينة وكان استخلف عليها ابن أم مكتوم وفي هذه السنة وادع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري ثم غزوته صلّى الله عليه وسلّم لليلتين خلتا من شعبان بني المصطلق بن سعد بن عمرو - وهو خزاعة ومنه تفرقت بطونهم - ابن ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر وإنما سموا خزاعة بانخزاعهم من جملة الأزد إلى بطن مر عند مسيرهم من مأرب وفي ذلك يقول شاعرهم‏:‏ ولما هبطنا مر تخزعت خزاعة منا في حلول كراكر وكانوا على ماء لهم يعرف بالمريسيع بطريق الفرع والفرع على ثمانية برد من المدينة فناجزهم فانهزموا فقتل وأسر وسبى الذراري والأموال فكان في السبي جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار رئيس بني المصطلق وكانت صارت لبعض الأنصار فكاتبها فأدى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كتابتها وتزوجها فتعق الناس بقية السبي ببركتها وعاد إلى المدينة وكان قد استخلف عليها زيد بن حارثة مولاه‏.‏

وكانت غيبته ثمانية عشر يوماً‏.‏

وفي هذه الغزاة فقد عقد عائشة وقال فيها أهل الإفك ما قالوا وهم‏:‏ مسطح ابن أثاثة بن عباد بن المطلب بن عبد مناف وهو ابن خالة أبي بكر وكان في عياله - وحسان بن ثابت بن المنذر بن حرم بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار - وهو تيم الله بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج - وعبد الله بن أبي بن سلول وهو الذي تولى كبره منهم وحمنة ابنة جحش ابن رئاب‏.‏

والذي ذكروه صفوان بن المعطل السلمي وكان صاحب الساقة في تلك الغزاة فلما أنزلت براءتها جلدهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثمانين جلدة إلا عبد الله بن أبي بن سلول فإنه لم يجلده وفي ذلك يقول عبد الله بن رواحة وقيل كعب بن مالك لقد ذاق حسان الذي هو أهله وحمنة إذ قالوا هجيراً ومسطح تعاطوا برجم الغيب زوج نبيهم وسخطة ذي العرش الكريم فأبرحوا وفيها نزلت آية التيمم على ما في ذلك من التنازع بين الأسلاف والأخلاف في كيفية التيمم ثم غزوته صلّى الله عليه وسلّم الخندق وهي غزوة الأحزاب سارت إليه قريش وغطفان وسليم وأسد وأشجع وقريظة والنضير وغيرهم من اليهود فكان عدة الجميع أربعة وعشرون ألفاً منها قريش وأتباعها أربعة آلاف معهم ثلاثمائة فرس وألف وأربعمائة بعير قائدهم أبو سفيان صخر بن حرب والمسلمون نحواً من ثلاثة آلاف وذلك في شوال وقيل في ذي القعدة فأشار سلمان الفارسي على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالخندق فخندق وأقاموا محاصرين للمدينة يتناوشون ثم نصر الله رسوله وهزم الأحزاب وردهم بغيظهم لم ينالوا خيراً واستخلف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على المدينة ابن أم مكتوم وقد تنوزع في مدة إقامتهم على الخندق فمنهم من قال شهر ومنهم من قال خمسة عشر يوماً وقيل غير ذلك ثم غزوته صلّى الله عليه وسلّم قريظة من اليهود لمظاهرتهم قريشاً عليه سار إليهم عند منصرفه من الخندق وذلك لسبع بقين من ذي القعدة وكانوا على بعض يوم من المدينة فحصرهم خمسة عشر يوماً وقيل أكثر من ذلك ثم نزلوا على حكم سيد الأوس سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس بن زيد ابن عبد الأشهل فحكم بقتل مقاتلهم وسبي ذراريهم وكان سعد رمي يوم الخندق بسهم فقطع أكحله فكانت لمآبه فقتل من قريظة سبعمائة وخمسين رجلاً صبراً‏.‏

وعاد إلى المدينة وكان استخلف عليها أبا رهم الغفاري كلثوم بن الحصين وتوفي سعد بن معاذ بعد رجوع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة وفي هذه السنة تزوج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم زينب ابنة جحش بن رئاب الأسدية أسد بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر وهي ابنة عمته أميمة بنت عبد المطلب ثم سرية أبي عبيدة بن الجراح الفهري فهر قريش وهو عامر بن عبد الله ابن الجراح بن هلال بن وهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر بن مالك بن النضر ابن كنانة في ذي الحجة إلى سيف البحر

 ذكر السنة السادسة من الهجرة

سنة الاستئناس ثم سرية محمد بن مسلمة الأنصاري في المحرم إلى القرطاء من بني أبي بكر ابن كلاب بناحية ضريّة بموضع يقال له البكرات وضرية على سبعة أميال من المدينة‏.‏

ثم غزوة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بني لحيان من هذيل وكانوا بالقرب من عسفان خرج وفيها بعث فيما قيل عمر بن الخطاب سرية إلى القارة فاعتصموا بالجبال أيضاً وبعث هلال بن الحارث المزني إلى بني مالك بن فهر فهربوا منه وبعث بشر ابن سويد الجهني إلى بني الحارث بن كنانة فاعتصموا بغيضة فأضرمها عليهم فاحترقوا فأنكر النبي صلّى الله عليه وسلّم ذلك ورجع إلى المدينة ولم يلق كيداً وكان استخلف عليها ابن أم مكتوم وكانت غيبته أربع عشرة ليلة ثم غزوته صلّى الله عليه وسلّم الموضع المعروف بذي قرد من طريق خيبر وهو على ليلتين من المدينة وكان عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري أغار على لقاحه وهي بالغابة وهي على بريد من المدينة أو أكثر‏.‏

فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم الأربعاء لأربع خلون من شهر ربيع الأول فاستنقذ بعضها وعاد إلى المدينة وكان استخلف عليها ابن أم مكتوم وكانت غيبته خمس ليال ثم سرية سعد بن عبادة الخزرجي إلى الموضع المعروف بالغميم ثم سرية أبي عبيدة بن الجراح إلى جبلي أجأ وسلمى ثم سرية عكاشة بن محصن الأسدي الغمر غمر مرزوق قال المسعودي‏.‏

والغمر على ليلتين من ثم سرية محمد بن مسلمة الأنصاري في شهر ربيع الأول إلى ذي القصة‏.‏

وبين ذي القصة والمدينة عشرون ميلاً على طريق الربذة من جادة العراق إلى بني ثعلبة وأناس من تغلب وكان في عشرة نفر فقتلوا وهم نيام وأفلت محمد جريحاً ثم سرية أبي عبيدة بن الجراح إلى ذي القصة أيضاً في شهر ربيع الآخر ثم سرية زيد بن حارثة إلى بني سليم بالجموم والجموم من بطن نخل عن يسارها وبطن نخل على أربعة برد من المدينة ثم سرية زيد بن حارثة أيضاً في جمادى الأولى إلى العيص وهي طريق ذي المروة عن يمينها على ليلة منها مما يلي البحر وهي على أربع مراحل من المدينة والطرف ماء قرب من المراض دون النّخيل وهو على ستة وثلاثين ميلاً من المدينة على طريق العراق‏.‏